مأزق لا أزمة

TT

الكلام الذي قاله أمير الكويت للسفراء المعتمدين لدى الدولة عبَّر عن حجم المأزق السياسي والوطني، وليس مجرد الأزمة التي تؤرق البلد منذ فترة غير قصيرة. فقد طلب الشيخ صباح من السفراء ألا يأخذوا في الاعتبار الجدل السياسي القائم، لمعرفته أن المبعوثين يرفعون إلى حكوماتهم تقارير دائمة حول أوضاع البلد وتطوراته. وخلاصة المأزق أن فريقاً من النواب يصر على طرح الثقة في رئيس الوزراء الذي كلفه الأمير للمرة الخامسة بإعادة تشكيل الحكومة. فإذا خضع الأمير للضغط وكلف شخصاً آخر، سجلت في الكويت سابقة سياسية خطرة. وإذا لم يفعل سوف تستمر المعارضة في تعطيل التكليف، مما قد يؤدي إلى حل البرلمان.

ومثل هذا القرار يعمق الأزمة ويضع البلد أمام مجهول النتائج المقبلة. ومن المستبعد اللجوء إلى خطوة في هذا الحجم، على الأقل قبل انعقاد القمة الاقتصادية الشهر المقبل. وسوف تبدو الصورة ضائعة إذا حان موعد القمة والكويت بلا حكومة تعيش مناخاً سياسياً مضطرباً ووضعاً اقتصادياً عبّر عنه خفض الموازنة بنسبة 25 في المائة.

ولا يفصل المعارضون بين الخرافة والحقيقة. فهم يدعون أن معظم الأزمات وقعت في ظل حكومات الشيخ ناصر محمد الأحمد ولن يتحسن الوضع إلا باستقالته. وينسى هؤلاء أن الأزمة المالية عالمية وأن الشق الداخلي منها حدث قبل ذلك على نحو أسوأ. ويذكرنا هذا بالمتشائمين الذين ربطوا تكليف الراحل عبد العزيز المساعيد برئاسة «المجلس الوطني» بالغزو العراقي الذي حدث بعد ذلك بسبعة أشهر. وكان بعض السياسيين الذين يفترض أنه على الأقل لديهم الحد الأدنى من التحليل يقولون إن تخطيط صدام حسين للغزو سببه لعنة المجلس الوطني. والآن يحمّل المعارضون سقوط الاقتصاد العالمي ومعه الاقتصاد الكويتي لرئاسة الشيخ ناصر. وليس معروفاً مدى السذاجة ومدى الخبث في ذلك.

لكن المعروف، أو الثابت، هو مدى تضايق الأمير من ظواهر ومظاهر الوضع السياسي التي تخطت البرلمان إلى الشارع بكل وضوح. وقد انتشرت في الآونة الأخيرة وتفشت ظاهرة رفع بعض الصور على السيارات، وباطن الظاهرة واضح الدوافع والأهداف. ويسعى عقلاء الكويت إلى تفادي الانحدار نحو الأسوأ بسبب الخرافات والتعاويذ الشائعة من أن وجوهاً تحمل الازدهار وأخرى لا تحمله. لذلك رفع الشيخ صباح في المؤتمر السنوي للدبلوماسيين «كويت آمن ومزدهر». وليس من الممكن كالعادة تحميل الحكومة وغياب الرقابة الكارثة التي حلت بالسوق المالية. وترسم الصحف الكويتية كل يوم صورة شديدة القتوم ومليئة بأخبار الإفلاسات، فيما تمتلئ الديوانيات «بتحليلات» حادة تحذر من الأسوأ. والمأزق مستمر ومتزايد لدرجة أن الأمير اضطر إلى مطالبة السفراء بألا يصدقوا ما يقرأون في صحف البلد أو ما يسمعون في برلمانه.