حسنات بالمزايدة

TT

موسم الكرسمس ورأس السنة الميلادية، موسم أعياد لثلاث مجموعات من البشر: الأطفال لما يتلقونه من هدايا، والتجار لما يبيعونه من هدايا والمحسنين لما يتلقونه أو يدفعونه من هدايا.

عرفت ذلك ولكنني خبرت شيئا جديدا تماما في موسم هذه السنة. ذهبت لمشاهدة مزاد من نوع طريف نظمته مؤسسة «شبكة التصدقات «Funding Network» البريطانية. المعتاد في المزاد والمزايدات أن تجري من أجل اقتناء أثاث أو بيوت أو آثار أو أعمال فنية ونحو ذلك. ولكن في هذا المزاد يجري التزايد من أجل الحصول على الحسنات! شيء عجيب أن تصبح الحسنة والصدقة وعمل الخير شيئا يتزايد عليه الناس. ولكن هذا ما شهدته. وهو أمر جدير بملاحظة أثريائنا وطلب مرضاة الله. حضر صالون المزايدة نحو ثمانين محسنا. تناولوا عشاءهم السخي وشربوا ما شربوا بأكثر من ذلك من السخاء ثم جلسوا على كراسيهم الوثيرة ليستمعوا لطلبات المحتاجين، وهي منظماتهم الخيرية. أعطي كل ممثل لكل من هذه المنظمات ست دقائق يشرح فيها ما تقوم به منظمته من أفعال الخير والخدمة ويقدم نماذج من منجزاتها.

كان منها منظمة «تغيير النغم» Changing Tune، وهي منظمة موسيقية تستخدم الموسيقى والغناء في إصلاح السجناء والمجرمين. تكلم ممثلها ثم جاء باثنين ممن أصلحتهم وغيرت حياتهم بفضل عملها حتى أصبحا مواطنين صالحين بدلا من مجرمين. ثم قام الاثنان بعزف وغناء شيء مما تعلماه. وبعد ذلك، عرض الممثل حاجة منظمته لخمسة آلاف باوند لشراء آلات موسيقية جديدة.

انتهت الست دقائق وخرجوا من الصالون. وعندئذ وقف المنادي وخاطب الجالسين:

سمعتم عمل هذه المنظمة الخيرية النبيلة وحاجتها لخمسة آلاف باوند. هل من متبرع بهذا المبلغ لها. إنه مبلغ متواضع في رأيي. هل من محسن يجود عليها بهذا؟

رفعت سيدة منديلها وقالت أنا أدفع هذا المبلغ.

«السيدة هنا تدفع خمسة آلاف باوند. هل من محسن كريم يزيد على المبلغ؟ دعوني أسمع صوته! هل من مزيد؟».

رفع رجل يده وقال: «أنا أدفع ستة آلاف باوند لهذا العمل البار».

«ستة آلاف باوند هنا من هذا السيد الفاضل. هل من يزيد عليه؟».

رفع رجل آخر يده بما يفيد بأنه سيزيد عليه بألف باوند آخر.

وتوالت الإشارات والكلمات من الحاضرين حتى وصل المبلغ إلى 23 ألف باوند. «ثلاثة وعشرون ألف باوند لشراء آلات موسيقية للسجناء. هل من مزيد؟ هل من محسن كريم يزيد عليه؟». لم يرفع أحد يده. وضرب المنادي بمطرقته على المنصة. «يا ولد، خذ ثلاثة وعشرين ألف باوند من السيد هنا»، وأخرج الرجل دفتر الشيكات وراح يكتب.

تلت ذلك مزايدة على توفير العلاج للعميان في أفريقيا. جلست وتذكرت كيف عجزنا قبل أشهر من إقناع كل المليونيرية العراقيين الذين سمنوا وأثخنوا بأموال صدام حسين بالتبرع لإنقاذ ديوان الكوفة. تربيتان. تربيتان يا سيدي. لهم تراثهم ولنا تراثنا.

www.kishtainiat.blogspot.com