معنى التزام «حماس» مجدداً بقسم الولاء للإخوان المسلمين!

TT

المستغرب أنه لم يتم التوقف، بالنسبة لمتابعة الأوضاع في غزة وانعكاساتها على القضية الفلسطينية وعلى الأوضاع في الشرق الأوسط والإقليم كله، عند مسألة هي في غاية الأهمية وغاية الخطورة أيضاً وهي ان حركة «حماس» أعلنت وللمرة الأولى منذ ان أُنشئت في عام 1987 عن انتمائها انتماء تنظيمياً، تتحكم فيه علاقة التابع للمتبوع، لجماعة الإخوان المسلمين التي مرشدها العام الآن محمد مهدي عاكف والتي تنخرط في هذه الفترة في حرب مواجهة مع نظام الرئيس حسني مبارك وعلى غرار ما كان بينها وبين الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر وبينها وبين الرئيس محمد أنور السادات في بعض فترات حكمه المتأخرة.

في يوم الأحد قبل الماضي الرابع عشر من ديسمبر (كانون الأول) الحالي جرى الطلب من أقدم أعضاء الإخوان المسلمين في قطاع غزة الذي هو عبد الفتاح دخان ان يتقدم الى منبر الخطابة في مهرجان الذكرى الحادية والعشرين لانطلاقة هذه الحركة الذي أقيم في منطقة الكتيبة والذي أشارت التقديرات الى ان عدد الذين شاركوا فيه قد تجاوز المئتي ألف يتصدرهم رموز الصف الأول من قادة «حماس» التي حسب التصريحات التي تتناقلها وسائل الإعلام أنجبت عشرات القادة الغر الميامين إن في الداخل وإن في الخارج.

نهض عبد الفتاح دخان وتوجه بكل وقار الى منصة الخطابة ورفع قبضة يده اليمنى عالياً فرفع الحضور كلهم قبضات أيديهم اليمنى أيضاً، كما فعل، وانطلق بصوت جهوري يردد وردد وراءه الحاضرون: «أعاهد الله أن أخلص لدعوة الإخوان المسلمين والقيام بشرائط عضويتها والثقة التامة بقيادتها والسمع والطاعة».

إن هذا هو القسم الذي على كل منتسب الى جماعة الإخوان المسلمين منذ تأسيسها على يد حسن البنا في نهايات عشرينات القرن الماضي وحتى الآن أن يردده وفق طقوس معينة قبل أن يصبح عضواً مكتمل العضوية وهذا يعني ان حركة «حماس» قد كشفت بعد إحدى وعشرين سنة عن وجهها الحقيقي وعن ان قائدها الفعلي ليس خالد مشعل المتنقل بين طهران ودمشق والدوحة وإنما محمد مهدي عاكف المرشد العام والذي هو في الوقت ذاته رئيس التنظيم العالمي لهذه الجماعة الذي له «السمع والطاعة» والذي هو موضع «الثقة التامة» .

والسؤال هنا هو: لماذا يا ترى لجأت «حماس» الى هذا الذي لجأت إليه في الذكرى الحادية والعشرين لانطلاقتها وأعلنت عن انتمائها السياسي والتنظيمي لـ«جماعة الإخوان المسلمين» في هذا الوقت بالذات حيث الوضع الفلسطيني مقبل على استحقاقات خطيرة وحيث الصراع بين هذه الجماعة وبين النظام المصري بات يتخذ مسارات طابعها الإلغاء والمواجهة وبات يشير الى ان الهدف ليس «الإصلاح» كما يُعلن ويقال وإنما التغيير الجذري للنظام كله.

قبل الإجابة عن هذا السؤال لا بد من الإشارة الى أن الإخوان المسلمين قبل هذه الخطوة التي أقدمت عليها «حماس» كانوا قد أعلنوا ليس في مصر فقط وإنما في كل البلدان التي لهم فروع فيها عن حرب مكشوفة ضد الرئيس حسني مبارك ونظامه عنوانها فتح معبر «رفح» وحقيقتها إلغاء دور مصر الإقليمي، الذي بوابته القضية الفلسطينية، وإزاحته من أمام الدور القيادي الذي بقيت إيران تسعى إليه منذ انتصار الثورة الخمينية في فبراير (شباط) عام 1979 والذي كان سعى إليه الشاه السابق محمد رضا بهلوي الذي كان أكثر ما يطربه ان يوصف بأنه شرطي الخليج والمنطقة كلها.

لقد انطلقت الإشارة من طهران فكانت كل هذه المظاهرات المعادية لمصر والمطالبة بسقوط نظامها التي اجتاحت العاصمة الإيرانية ومدن إيران الأخرى والتي شهدتها القاهرة وعمان وبيروت ودمشق وبعض العواصم العربية والإسلامية الأخرى، والتي شهدتها أيضاً مدن قطاع غزة، وبالطبع فإن العنوان هو العنوان نفسه وإن الحجة هي الضغط على نظام الرئيس حسني مبارك لفتح معبر «رفح» وفك الحصار عن الإخوان الفلسطينيين الذين لم يفرض عليهم هذا الحصار إلا بعد الانقلاب الذي قامت به «حماس» في يونيو (حزيران) عام 2007 وبعد ظاهرة صواريخ القسام الدخانية التي جاء إطلاقها كأفضل ذريعة ليتنصل الإسرائيليون من استحقاقات العملية السلمية.

والغريب ان رئيس حكومة دولة «حماس» في غزة إسماعيل هنية كان قد قال في هذا المهرجان الذي جاء كمناسبة لإعلان العودة الى الجماعة الأم: إن الجهاد في سبيل الله مقدم على الحج وهو قال أيضاً مخاطباً الجماهير التي جرى حشدها وتحشيدها في منطقة «الكتيبة»: لم يُكتب لكم يوم عرفة فكان أن كتب الله لكم أن تشهدوا يوم «حماس» الأكبر على أرض فلسطين ولكم ما لكم من الأجر!

إنه بعد هذه المقدمة الطويلة لا بد للإجابة عن هذا السؤال السابق بطرح سؤال جديد هو: هل انها مجرد صدفة يا ترى أن تستهدف إيران مصر كل هذا الاستهداف فتنطلق كل هذه المظاهرات المنددة بالحكومة المصرية وبنظام الرئيس حسني مبارك، بينما يرفع الإخوان المسلمون وتيرة الصدام مع هذه الحكومة ومع هذا النظام ليصل حدود المواجهة الإلغائية وبينما يستعد الإيرانيون لما يمكن تسميته «المساومة التاريخية» مع الولايات المتحدة ومع إسرائيل أيضاً وعلى أساس تقاسم الأدوار في الشرق الأوسط بين هذه الأطراف الثلاثة واستبعاد كل من لا يسير في الركب الإيراني من الدول العربية..؟!

أبداً لا يمكن تصديق أن كل هذا قد جاء من قبيل الصدفة وأن تعلن طهران «الجهاد» ضد القاهرة باسم فتح معبر «رفح» ورفع الحصار عن غزة فتنطلق التظاهرات «الملتحية» تلقائياً في شوارع بعض المدن العربية ويبدأ التنديد بمواقف العرب كلهم باستثناء تلك الاستثناءات المعروفة.. إن المقصود هو إعطاء إيران شرعية الشارع العربي وإظهار أنها وحدها التي تستحق قيادة الشرق الأوسط وأن كل الآخرين وأولهم مصر حلفاء لـ«الشيطان الأكبر» ولا يستحقون أن يتبوأوا موقع هذه القيادة!

إذن إن هذه هي حقيقة ما جرى يوم الأحد الرابع عشر من هذا الشهر فعندما تعلن حركة «حماس» في الذكرى الحادية والعشرين لإنشائها أنها جزء من «الإخوان المسلمين» وتردد قسمهم وقوفاً أمام كاميرات وسائل الإعلام كلها وتعاهد الله على الثقة بالمرشد العام محمد مهدي عاكف وعلى السمع والطاعة له فإن هذا معناه أنها تضع نفسها وتضع قطاع غزة الى جانب التحالف الإيراني ـ الإخواني الذي يخوض مع القاهرة معركة قد تتطور الى حد المواجهة الساخنة.

الآن بعد أن عادت حركة «حماس» لتؤكد على أنها جزء من «الإخوان المسلمين» وأن قائدها الذي له السمع والطاعة هو محمد مهدي عاكف، فيجب توقع أن يتحول قطاع غزة الى ضاحية أخرى كضاحية بيروت الجنوبية، التي غدت عاصمة لدولة حزب الله داخل الدولة اللبنانية، وأنه سيتم استنزاف مصر من هذه الخاصرة وهذا يعني أن الضغط الحالي على هذه الدولة العربية سيشتد في الأيام المقبلة.

إن الأمور أخطر كثيراً مما يتوقع البعض، وإن تحويل غزة الى ضاحية جنوبية في الخاصرة الشمالية لمصر سيعطي الإخوان المسلمين المصريين، الذين بات من الواضح أن هدفهم هو الحكم، قاعدة ارتكاز ترتبط بالأراضي المصرية ليس بستمائة نفق فقط وإنما أيضا بصحراء سيناء الواسعة المترامية الأطراف وبالخطوط البحرية التي ثبت أنه من غير الممكن ضبطها حتى بالنسبة للزوارق الإسرائيلية.