صراع مصيري ومفصلي صحيح.. ولكن بالديوك المارونية؟

TT

ستة أشهر من الآن حتى موعد الانتخابات النيابية في لبنان. في ستة أشهر يمكن العالم ان يتغير أو ربما ان ينقلب. اما لبنان فقد يتجاوز التغيير والانقلاب، الى ما هو اسوأ بكثير. أي العودة الى الحلقة المفرغة من الصراع الداخلي الطائفي والمذهبي، الذي قد يعطل الانتخابات ويدفع البلاد الى أتون محموم.

ومتى؟ في الوقت الاميركي الضائع بين ادارة وادارة والوقت الفرنسي ـ الاوروبي المائع الباحث عن «بحص» البترودولار ليسند خوابي الأزمة المالية الكبرى. وفي الوقت العربي الخانع بسبب الانقسامات التي سبق أن عطلت «مبادرة الجامعة العربية» للحل كما هو معروف.

ستة أشهر من موعد الانتخابات. ونقاط الدم التي سالت بسبب الخلافات بين المتخاصمين في المناطق المسيحية تحديداً، أكبر بكثير من نقاط الحبر التي يفترض ان تشرح للناس والمواطنين، ما هي المشاريع والبرامج الانتخابية وما هي خطط التطوير والتنمية ومعالجة المشكلات التي تهم اللبنانيين، الذين يفترض فيهم ان يجددوا العقد التمثيلي العام للنواب على أساس هذه البرامج!

لكن الواضح والمفهوم حتى الآن ان فريقي الأكثرية والمعارضة أي 14 آذار و8 آذار، يتفقان على القول إن الانتخابات ستكون «مصيرية ومفصلية». بمعنى انها ستقرر مستقبل البلد لفترة طويلة. لم يعد يفيد معها الاكتفاء بالقول، إن هذه الانتخابات ستقرر أي لبنان نريد، بل أصبح ضرورياً قياساً بطروحات الطرفين القول، انها الانتخابات التي ستحسم مواجهة طويلة يزيد عمرها عن ثلاثة أعوام، وتتصل باصطفاف لبنان السياسي في منطقة الشرق الأوسط.

يفهم من هذا الكلام فوراً، وبرغم كل ما تم الاتفاق عليه في الدوحة، ولقي التصفيق من بعض الدول التي سبّب لها اللبنانيون وجع الرأس، ان الانتخابات يُراد لها على الأقل، من قبل المعارضة وخصوصاً «حزب الله»، ان تحسم الأمر مرة أخيرة لمصلحة إلباس الدولة ثوب «المقاومة» وأفكارها واصطفافها في الصراع الاستراتيجي في المنطقة.

كيف؟ ذات يوم قال آية الله علي خامنئي، يجب إلحاق الهزيمة بأميركا في لبنان، بينما قالت كوندوليزا رايس يومها إن لبنان هو «خط الاعتدال» في وجه «خط التطرف» في المنطقة.

لكن الأمر بقي عالقاً رغم التخبّط الاميركي في وحول العراق وقرب انتهاء ولاية الرئيس جورج بوش ورغم العدوان الاسرائيلي على لبنان عام 2006.

واذا كان من المثير ان الدعوة الى هزيمة اميركا في لبنان، اتخذت ترجمة انقسامية من خلال اتهام المعارضة للاكثرية بأنها من «عملاء اميركا» بما يفرض في النتيجة العملية والميدانية الحاق الهزيمة بها لا بأميركا (!) فإن المثير أكثر أن الصراع الداخلي الذي عطّل حكم الاكثرية ثلاثة أعوام، ووصل الى حد اجتياح بيروت الغربية والجبل بالسلاح الذي استعمل في الداخل خلافاً لكل ما قيل سابقاً. ولكن الأمور لم تحسم عملياً الصراع بين 14 آذار و8 آذار رغم «اتفاق الدوحة» الذي سهّل انتخاب رئيس الجمهورية ميشال سليمان وتشكيل حكومة متصارعين تسمى «حكومة وحدة وطنية»!

وهكذا وفي ظل تهدئة غربية وعربية هدفها منع انفجار حرب مذهبية سنيّة ـ شيعية في لبنان، تشعل المنطقة كلها، صارت مسألة الحسم مرتبطة عملياً بالانتخابات النيابية التي ستجري على ما يفترض في أواخر أيار (مايو) من السنة المقبلة.

لهذا يقال انها «مصيرية ومفصلية». فالاكثرية تقول انها واثقة من الربح ومن انها تزيد حصتها في البرلمان وهي تتسلح بنتائج الانتخابات الطلابية والنقابية والمهنية التي سجّلت فيها فوزاً كاسحاً، كما تتسلح باحصاءات ودراسات ميدانية ترجّح فوزها. وفي المقابل تقول المعارضة إنها ستحصل هي على الاكثرية، متسلحة ايضاً باحصاءات ودراسات ميدانية.

واذا كان من المثير، ان تسارع المعارضة وبلسان الجنرال ميشال عون، الى اطلاق النار فورا على فكرة قيام كتلة مستقلة وفاقية، تكون مساندة لدور رئيس الجمهورية، وتحول بالتالي دون حصول 14 آذار او 8 آذار على الاكثرية التي يريدانها. فإن المثير اكثر أن كلا من الطرفين يمضي في اتهام الطرف الآخر بأنه لن يتوانى عن تعطيل الانتخابات بالقوة وافتعال المشاكل إذا احسّ سلفا أنه سيكون خاسراً!

وإذا كانت حجة الأكثرية هنا تنطلق تحديداً من ذكريات اجتياح بيروت التي لم تُنس بعد ومن قدرة «حزب الله» العسكرية، فإن المعارضة لم تقصر في ابتداع الحجج.

ولعل المثير اكثر من كل هذا ان القانون الانتخابي الذي اعتمد في «اتفاق الدوحة» وهو يعود الى عام 1960، بمعنى انه اعاد البلاد 48 عاما الى الوراء، يقرر الآن ثلثي النتائج الانتخابية سلفاً.

اذ من المعروف تماما ان الحصة الشيعية محفوظة ومضمونة بالتضامن بين «حزب الله» و«حركة امل»، وكذلك حصة السنّة محفوظة ومضمونة لتيار المستقبل. والحصة الدرزية متفاهم عليها وأرجحيتها الى النائب وليد جنبلاط. وتبقى الحصة المسيحية التي ستفرزها الانتخابات وخصوصا في المتن وكسروان وجبيل والبترون.

ولعل هذا ما يدفع الى القول إن مسألة الانتخابات «الحصرية والمفصلية» مرهونة بالمناطق المسيحية فقط. بما يوضح ان المعركة مسيحية ـ مسيحية، وبأن فريقي الصراع سيخوضانها بالأدوات المسيحية. وهذا يعني قياساً بمنطلقات الصراع، ان الايرانيين ومعهم السوريون يقاتلون اميركا ويريدون الحاق الهزيمة بها، ولكن بالمسيحيين اللبنانيين.

ولهذا يصبح مفهوما تماما لماذا يذهب الجنرال ميشال عون الى طهران، ولماذا يقول عنها ما لم يُقل عن جنة الله سبحانه وتعالى، اذ انه رأى «ان طهران لا تنظَّف لأنها لا تتسخ»!

ولهذا ايضاً سيكون مفهوماً لماذا اعدت دمشق لاستقبال عون، برنامجاً لم يكن ليحظى به البطريرك الماروني نصرالله صفير، وحتى يوحنا المعمدان، فهي تريد له ان يكسب الانتخابات، لأن خسارته تعني خسارة المعارضة كلها.

وفي المقابل تخوض الأكثرية معركتها بالمسيحيين من قوى 14 آذار على قاعدة شعارات السيادة والاستقلال و«انتفاضة الأرز»، بما يعني تالياً ان المبارزة بين سوريا وايران وجبهة ما يسمى «قوى الممانعة» من جهة وبين السعودية ومصر وجهة ما يسمى «قوى الاعتدال» من جهة ثانية ومعها اميركا واوروبا، انما تخاض بالمسيحيين.

ومن الواضح والمفهوم ان المعركة شرسة ودموية وحتى مخيفة، الى درجة جعلت مساعي المصالحة بين القوى المسيحية تفشل بعدما كانت قوى المعارضة المسيحية قد أفشلت بكركي، وشلت دورها عبر التهجم والتطاول عليها.

انه صراع مصيري ليس على ادارة لبنان، بل على هويته واصطفافه وعلى طبيعة الدولة والبلد. وهو صراع قد يملأ الصناديق الانتخابية بالمآسي قبل ان يملأها بأوراق المقترعين.

انه صراع القوى الاستراتيجية المصيري والمفصلي، تخوضه بالديوك المارونية... وتحديداً عشية عيد الميلاد!