مع جزيل الشكر

TT

في ظل انحسار القراءة واضمحلال المواد الجديرة بالقراءة، وتقلص الاهتمام بالاطلاع بصورة عامة، يكون بالتالي أي اكتشاف مثير في مجال القراءة حدثا لا يمكن إغفاله، وعالم المجلات هو مجال مميز ومختلف، فمع الهبوط الحاد في توزيع المجلات الأسبوعية الإخبارية إلا أن هناك إقبالا على بعض المجلات المتخصصة ذات التحقيقات المتعمقة والتي تنفرد بتغطيات مميزة لمواضيع مختلفة. ولعل أبرز مطبوعة ثقافية في العالم العربي اليوم هي مجلة «القافلة»، التي تصدر من أرامكو، ويشرف على إصدارها الفنان اللبناني القدير كميل حوا. وقد تميزت الأعداد الصادرة من هذه المجلة بالمواضيع المبهرة والإخراج الفني اللافت والتنوع المهم الخالي من الرتابة والملل. واليوم تحتفي المجلة بتوديع عبد الله جمعه الرئيس الأسبق لشركة أرامكو العملاقة والذي تقاعد منذ فترة. عبد الله جمعة كان واحدا من أبرز التنفيذيين العالميين في دنيا الأعمال. كان قياديا محنكا، ومع ذلك كان مكرسا عمليا لمبدأ العمل الجماعي، كان مؤمنا بأهمية التعلم والتدريب والتطوير، ومطبقا عمليا لمبدأ تواصل الحضارات واحترام الآراء وتقدير الأديان. تولى عبد الله جمعة قيادة الشركة البترولية الأكبر في العالم نحو الكثير من الخطط الطموحة والتوسعات الهائلة في مجالات التكرير والمعالجة والتسويق وأنشطة الغاز. اختير عام 2003 من قبل مجلة «فورتشن» الأمريكية كأحد أبرز الشخصيات المؤثرة في مجال الأعمال في العالم، واختاره المنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس قائدا لمجتمع الطاقة وذلك في شهر يناير 2005. قضى عبد الله جمعة 40 عاما في أرامكو، منها 14 سنة رئيسا لها. كانت قصة عمله بالشركة مثالا بارزا للعصامية والاعتماد على الذات والتطور والارتقاء والتدرج الناجح.

كان إداريا بارعا ومستمعا استثنائيا، عشق الاطلاع والقراءة فكان مثقفا بدون ادعاء، مستمعا نهما للموسيقى الكلاسيكية وتحديدا لموزرات، ما أعطاه بعدا آخر في شخصيته لا يشعرها إلا من اقترب منه. في كل أسفاره وترحاله، وكم كانت كثيرة، كان يضع في برنامجه جزءا مخصصا للتعرف والاطلاع على ثقافة البلد وعلومه. اهتم بالتعليم وبالعمل التطويري، فتطور من مشاركات شركته العملاقة في هذه المجالات بصورة واضحة، وعلى المستوى الشخصي لا يزال اهتمامه قائما بالمشاركة في مجالس أمانات بعض الجامعات والمساهمة بالرأي والخبرة والمشورة في برامجها.

عبد الله جمعة نموذج «جميل» لقصة نجاح نادرة. جاء في منصبه بعد قصة نجاح أخرى معروفة وهي لوزير النفط السعودي الحالي علي النعيمي، ويخلفه في المنصب شاب طموح يتوقع له الكثير من النجاح وهو خالد الفالح. شكرا عبد الله جمعة لسنوات عطاء تظهر نتاجها بشكل يدعو للفخر والاعتزاز.

[email protected]