عام من حياة محفوفة بالمخاطر

TT

مع اقتراب ميلاد عام 2009 فإنه ربما قد يتبادر إلى أذهان البعض تساؤل وهو كيف سيتذكر التاريخ العام الحالي. والشيء المؤكد هو أن عام 2008 لم يكن أحد تلك الأعوام العادية في التاريخ الحافل للعلاقات الإنسانية، فقد كان عامًا مفعمًا بالأحداث وعامًا مشوقاً بالمعنى الصيني الذي يعني عاما من الأزمات. كما كان عاماً مليئاً بالأحداث التي وقعت وتلك التي توقفت، وربما كان ذلك هو السبب وراء تأكدنا من أن التاريخ سوف يتذكره. لكن السؤال هو كيف؟

إن أهم ما ميز عام 2008 ذلك الانهيار الاقتصادي الكبير الذي حدث. فمع انخفاض مؤشرات البورصات في جميع أنحاء العالم وانخفاض معدل الفائدة في البنوك إلى ما يقارب الصفر، أصبح عام 2008 أكثر ما يكون شبهاً بعام 1929.

على الرغم من ذلك توجد بعض الاختلافات الجوهرية.

فبداية، لم نر أيا من سماسرة وول ستريت ينتحرون بالقفز من ناطحات السحاب. أما الذين قفزوا، فقد قاموا بذلك بصورة مجازية، فقد كانوا يملكون مظلات ذهبية مكنتهم من الهبوط بسلاسة على الأرض.

كما لم توجد دلائل على وقوع مجاعات كبيرة أو توزع العمال العاطلين بين المدن الصناعية المحطمة بحثًا عن سبل الرزق. وعلى الرغم من الارتفاع الكبير في أعداد العاطلين بنهاية العام، إلا أن نسبتهم لم تتجاوز مثيلاتها في السبعينيات.

وربما يبدو عام 2008 كأسوأ اختبار لاقتصاد السوق العالمية الجديدة ـ إذا كانت تلك هي القضية ـ وربما يكون قد أثبت أن نظام الرأسمالية الجديد مرن بدرجة أكبر مما خشي منها أعداؤه وطمح إليها أصدقاؤه. وبغض النظر عن الانهيار الاقتصادي، فقد سيطر انتصار باراك أوباما على مجريات العام، والذي يماثل من حيث الأهمية فوز بنيامين ديزرائيلي برئاسة وزراء بريطانيا في القرن التاسع عشر، وقد أبرز الحدثان إمكانية وصول الرجال الموهوبين من الأقليات الدينية والعرقية إلى أعلى سلم السلطة من خلال انتخابات حرة وعادلة في الديمقراطيات الناضجة.

كان العام شاهدًا، أيضًا، على عودة روسيا كلاعب رئيس في الساحة الدولية، فعلى الرغم من تصدر الغزو الروسي لعناوين الأنباء كانت الأنباء الحقيقية حول روسيا في مكان آخر، فقد رفض فلاديمير بوتين الإغراءات بتعديل الدستور وإعلان نفسه رئيسًا مدى الحياة مثل هوجو شافيز رئيس فنزويلا الذي يحاول القيام بذلك. ولكي نتأكد من ذلك، يزعم الكثيرون أن ديمتري ميدفيديف الذي خلف بوتين في سدة الحكم ما هو إلا دمية، لكنني عندما أشاهد ميدفيديف يعمل فلا أعتقد أن ذلك النقد منصف، وحتى إن كان ذلك صحيحًا فالحقيقة أن بوتين قام باللعبة من كتاب يستحق الاهتمام.

لكن هل سيتضح أن تلك العودة لم تكون سوى بريق لشهاب أخير لإمبراطورية ميتة؟ لا أحد يعلم. لكن المؤكد هو أن روسيا المستقرة والقوية، وروسيا القادرة على المنافسة الجيدة مع القوى الغربية، أمر جيد للعالم أجمع.

وعلى الرغم من الأحداث الدراماتيكية التي وقعت في مومباي خلال شهر نوفمبر فإن عام 2008 كان عامًا سيئًا بالنسبة للإرهابيين، فقد ارتفعت أعداد المخططات الإرهابية التي تم كشفها في غالبية الدول المعنية. وكانت المشكلة التي سادت أجواء الإرهاب صعوبة إيجاد متطوعين جدد إضافة إلى مشكلة تدفق السيولة النقدية. والهزيمة الساحقة للإرهابيين في العراق، وفشلهم في إعاقة الانتخابات الباكستانية، والهزائم التي منوا بها في الجزائر والسعودية، جعلت عام 2008 عامًا سعيدًا بالنسبة لكل العاملين في مجال مكافحة الإرهاب والقضاء على وحش العنف البشري.

أفضل أخبار العام بالنسبة لي كانت من العراق، وقد تمثلت في أمور وقعت وأخرى لم تقع، فعلى الرغم من كم التشاؤم الذي يسود البلاد فإن العراقيين لم يسقطوا في دوامة الحرب الأهلية أو الطائفية، ولم تنفجر كركوك، وتم تمرير قانون الانتخابات وتقسيم عائدات النفط دون تمزيق الدولة، كما أعد جدول زمني لانسحاب القوات الأجنبية من العراق، وعادت الحياة إلى البلاد بما فيها ما يسمى مثلث الموت.

وقد انعكس ذلك التحول في العراق على عناوين لكتب جديدة ومقالات حول البلاد. واختفت بعض الكلمات التي ظلت مرتبطة باسم العراق لسنوات مثل مستنقع وكارثة ومأساة وإخفاق وفشل، وهو ما اضطر بعض المعارضين للحرب لتغيير مسارهم. وقد أدرك أوباما في يوليو، إذ استطاع بالكاد إخفاء فشله بالحديث عن أن «هناك تقدما ملحوظا في العراق».

ودائمًا ما تأتي الأخبار السيئة من الفلسطينيين.

فشل الفلسطينيون في رأب الصدع وتسوية خلافاتهم في الوقت الذي لاح فيه اتفاق دولي على حل الدولتين، لكن حماس تمسكت باستراتيجية طهران لـ«الدولة الواحدة» التي ترفض قيام دولة فلسطينية وتتوعد بتدمير إسرائيل. ومرة أخرى قام أحد فصائل النخبة السياسية الفلسطينية بربط قضية الحقوق الفلسطينية بقضية أوسع وهي التنافسية الإقليمية بين إيران والولايات المتحدة.

كان هناك أيضًا نبأ سيئ من إيران، حيث بدا أن الجناح الخميني المتشدد الذي يقوده الرئيس محمود أحمدي نجاد يستعد لردكلة كل من السياسات الخارجية والداخلية، وهي استراتيجية يمكن أن تؤدي إلى فوضى في الداخل وحرب في الخارج.

دعونا أيضًا نذكر القرار الذي اتخذته محكمة الجرائم الدولية باعتقال الرئيس السوداني عمر حسن البشير على خلفية الاتهامات بالإبادة الجماعية، وقد كان ذلك القرار ذا دلالة سياسية ولم تكن له علاقة بتحسين الوضع في دارفور. غير أن القادة السودانيين سيتجاهلون ذلك القرار ومخاطره. كما شهد العام أيضًا تذبذب أسعار النفط وإنفاق الصين ببذخ على حفل افتتاح وختام دورة الألعاب الأوليمبية ومحاولة أوروبا رفع أسهمها في العالم، والفضل في ذلك يرجع لدبلوماسية الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي فائقة الديناميكية. من الواضح أن عام 2008 كان أسوأ من عام 2007 لكن دعونا نأمل في أن يكون عام 2009 أفضل من سابقه.