قدم راسخة في وزارة الدفاع

TT

على الرغم من مكتب الرئيس الأميركي يوليسيس غرانت الطويل الذي يقبع خلفه، فإنه يفضل ممارسة عمله على مكتب مترف عتيق لجون بيرشينغ، ويتبادل الحديث مع ضيوفه على منضدة مستديرة خاصة بوزير الحرب جيفرسون ديفيس.

سيستمر وزير الدفاع روبرت غيتس في منصبه الذي يعد عنصرا مطمئنا للحكومات خلال معظم الـ42 عاما الماضية، ليعمل لدى رئيسه الثامن خلال حياته المهنية التي بدأها عام 1966 عندما التحق غيتس بوكالة الاستخبارات المركزية، ليصبح مديرا بعد 25 عاما.

في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1979، كان يدون الملاحظات عندما اجتمع زبيغنيو بريجنسكي، مستشار الأمن القومي للرئيس جيمي كارتر، في الجزائر العاصمة مع ممثلي النظام الإسلامي الراديكالي في إيران، الذي كان قد أطاح للتو بنظام الشاه، الذي هرب إلى الغرب. وطمأن بريجنسكي الإيرانيين وقال لهم إن أميركا سوف تعترف بثورتهم، وتبيعهم الأسلحة التي كان يريدها الشاه وتقيم علاقات طبيعية معهم. لكنهم طلبوا الشاه، فاعترض بريجنسكي على ذلك معتبرا إياه تصرفا شائنا. وبعد ثلاثة أيام، أُخذ دبلوماسيون أميركيون رهينة في العاصمة الإيرانية طهران.

ويقول غيتس: «في الواقع، أعتقد أن هناك فرصة معقولة» في أن يتمكن مزيج من سياسة العصا والجزرة على الصعيدين السياسي والاقتصادي من أن تكون رادعا لإيران، في ظل اقتصادها الذي يوشك على الانهيار، ومواطنيها الذين يشعرون بالضجر، من تملك أسلحة نووية، على الرغم من أن سعيها للحصول على التقنية النووية بدأ تحت نظام الشاه. ولكن، هل ستساعد الدول الأخرى جهود الحد من انتشار الأسلحة النووية التي تبذلها الولايات المتحدة؟

يعطي غيتس على هذا السؤال إجابة غير مباشرة، مشيرا إلى أن فلاديمير بوتين قال له إن إيران تمثل أكبر تهديد أمني لروسيا. ويضيف أن إيران قد لا تعي حتى الآن أن امتلاك الأسلحة النووية قد يضر أمنها نفسه، إذا ما دفع ذلك الدول القريبة إلى أن تصبح دولا نووية.

وفي ما يتعلق بالعراق، لا يفرط غيتس في إبداء ثقته، مشيرا إلى أن «الديمقراطية المتعددة الأعراق لم تعمق جذورها بعد». ومع ذلك، يؤكد أن هناك دعما من قبل الحزبين في الكونغرس لـ«وجود على المدى الطويل» لـ40 ألف جندي من القوات الأميركية في العراق، وأن التصريحات الأخيرة للرئيس المنتخب لم تستبعد وقوع ذلك. ويقول إن ذلك البقاء «لمدة عقود»، يأتي على غرار عمليات عسكرية أميركية كبرى أجريت منذ عام 1945، بخلاف ما حدث في فيتنام. ويضيف: «انظر كم بقيت قوات تابعة لبريطانيا في قبرص».

وفي ما يتعلق بأفغانستان، تظهر على وجه غيتس ابتسامة صغيرة وهو يسترجع قبل عقدين، عندما «كنا الضباط المشرفين على المجاهدين» الذين كانوا يحاربون جيش السوفيات، «كنت أمرر السلاح عبر الحدود إلى بعض الرجال أنفسهم» الذين تواجههم أميركا في الوقت الحالي. ويشجع غيتس «التوسع الكبير» للجيش الوطني والشرطة في أفغانستان. ولكن عندما سُئل عما إذا كان يمكن لأفغانستان يوما ما أن تكون لها حكومة وطنية، تمتد سلطاتها على كافة أنحاء البلاد، أجاب: «لا».

ويقول إن الدول الأعضاء في الناتو، بعيدا عن الولايات المتحدة، لديها حوالي 2.5 مليون جندي يحمل السلاح وعلى استعداد للقتال، ولكن نحتاج إلى مداهنة طويلة للحصول على 10 آلاف إضافي في أفغانستان، وهم الآن مثقلو بالديون التي تحد من فاعليتهم. بيد أنه يعتقد أنه يجب أن تكون هناك قوات أميركية في أفغانستان لأعوام عديدة لأنه سيكون «صعبا جدا» استخدام العمليات «التي تشن من دول أخرى»، القوات الخاصة وصواريخ كروز والضربات الجوية الأخرى، وحتى لا تكون الدولة موطن تخريج إرهابيين من جديد. وفي إشارة إلى أن أول هجوم على مركز التجارة العالمي كان في عام 1993، يقول: «لقد دفعنا الثمن سريعا لتجاهلنا أفغانستان بعد عام 1989». ويضيف أنه «سبب ذلك نشترك في تحمل المسؤولية» وفي معرض رده على سؤال حول أكثر ما يشعره بالقلق، أجاب بون تردد بكلمة واحدة: «باكستان». فالمنطقة الغربية منها مليئة بالتهديدات للنظام الحاكم، وهناك مجموعات تأمل في أن بعض العمليات الإرهابية، ثل تلك التي وقعت في مومباي، مكن أن تفضي إلى اشتعال حرب مدمرة، كما حدث مع حادث الاغتيال الذي وقع في سراييفو عام 1914.

بيد أنه يرى أنه استخدم «تعبيرا غير موفق» عندما قال أخيرا إن لعالم عام 1970 كان كـ«ليلة هواة» مقارنة بالعالم في الوقت الحالي. كان يعني أنه على الرغم من أن هنري كيسنجر تعامل برشاقة مع ثلاثة تحديات متزامنة (الهجوم السوري على الأردن، والاضطراب الذي ساد لبنان، وبناء السوفيات قاعدة غواصات في كوبا) فإن الأزمات التي كانت تحدث آنذاك «كان لها بداية ونهاية»، أما الأزمات التي تحدث في الوقت الراهن، بدءا من كوريا الشمالية ووصولا إلى كوسوفو، «تطرح ولا ينتهي الحديث حولها». ولحسن الحظ، فإن خبرات غيتس مع الأزمات مثيرة للإعجاب مثلها مثل مكاتبه ومناضده.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»