عُدْ القرن المقبل

TT

في لقاء عند الزميل الكويتي سامي النصف قال المضيف إنه عثر على كتاب فيه مقالات كامل مروه قبل نصف قرن واكتشف ان شيئاًَ لم يتغير سوى الأسماء. وقلت له انني عندما أعود الى قراءة أمين الريحاني وجبران وميخائيل نعيمة قبل تسعين عاماً أجد أيضاً أن شيئاً لم يتغير سوى الاسماء. وكلما أراد واحدنا اليوم أن يحكي في التقدم والحرية لا يجد أمامه سوى عبد الرحمن الكواكبي والدكتور محمد عبده. وغداة اللقاء عند الزميل النصف قرأت تصريحات للدكتور محمد البرادعي عن التعليم الالزامي وبرامج التدريس ونوعية المدارس فاعتقدت أنني أقرأ للريحاني دون حذف أو زيادة كلمة واحدة ودون تغيير شيء سوى تاريخ النشر.

وقبل تسعة عقود تساءل الريحاني بلهفة وسذاجة معاً متى أيها الحرية توجهين وجهك نحو الشرق؟ لكنه قال أيضاً إن الحرية وحدها لا تزيل الجهل ولا بد من نشر العلم، مؤكداً ان لا حرية مع الفقر. ومنذ تسعة عقود حذر الريحاني من أن فقراء الريف سوف يملأون المدن وأن الاكتظاظ سوف ينشر النقمة. وعندما قال هذا الكلام كان سكان القاهرة دون المليون وهم الآن نحو 20 مليوناً. وكانت أهم أسباب حرب لبنان أو أهم ذرائعها على الاقل، زحف الريف على بيروت وانتشار أكواخ الصفيح.

وكان الريحاني من أوائل الذين حذروا من الخطر الصهيوني الآتي قائلاً انه لا تمكن مواجهته إلا بالعلم والتقدم. وكان كامل مروه يكتب من برلين، رفقة الحاج أمين الحسيني، خلال الحرب العالمية الثانية عما سوف يوصلنا اليه التخلف والضغينة والاقنعة التي لا وجوه تحتها.

الذي لم يعد اليوم كما كان قبل 50 عاماً أو تسعين هو حال التسامح والاتجاه نحو الوحدة والتمسك بالقيم برغم رداءة السياسة، ومستوى الجامعات على قلتها، ومستوى المعلمين والمفكرين ومدى شعورهم بالمسؤولية حيال أهلهم وجوارهم ورفاقهم.

بطون الكتب لا تتغير. وعناوين الصحف لا تتغير. والندب والنحيب واللطم التي طالما طالب الريحاني بالبعد عنها، لا تزال عناوين الافلام والمسلسلات وسبب نجاحها أيضاً. وعندما يوصف ممثل ـ أو ممثلة ـ بالقدير فمعناه الباكي أو اللاطم. وما نزال نخلط بين التقاليد كتراث نبيل وبين العادات كموروث سهل. ويفهم المرء دعوة الريحاني قبل 90 عاماً في مجتمعات مستعمرة غاب عنها العلم والكفاية، أما ان يذكرنا محمد البرادعي من فيينا في بداية الالف الثالث، بما هو عليه حال العالم العربي من جهل وتخلف، بالاضافة الى التفكك والتمزق، بالاضافة الى التباعد والفرقة والكيد، اما اما اما ماذا؟ سلامتك. عد بعد مائة عام.