تقرير جزائري مرحب به

TT

في ما يبدو خطوة باتجاه الالتزام بالشفافية نشرت الحكومة الجزائرية تقريرا اعدته لجنة تحقيق شكلها الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة. وكانت قد اسندت الى هذه اللجنة مهمة التحقيق في الظروف التي ادت الى انفجار اعمال العنف في الربيع الماضي بمنطقة القبائل وراح ضحيتها نحو 100 شخص. وينحي التقرير باللائمة على الاحداث المؤسفة التي وقعت ابان تلك الفترة على قوات الامن الجزائرية، وخاصة قوات الدرك والاستخبارات العسكرية التي ظل اسمها حتى الآن مستترا وغير مذكور. وعندما اندلعت الاحداث ذهب بعض السياسيين في الجزائر الى حد الزعم بتورط «متآمرين اجانب» فيها، ووصلوا الى حد التظاهر بان ثورة القبائل هي جزء من مخطط اوسع يرمي الى تقسيم الجزائر الى عدد من الدويلات، بينما يكشف تقرير اللجنة الرئاسية ان تلك المزاعم تندرج ضمن نظريات المؤامرة التقليدية.

وباستخدام لغة تثير الدهشة لصراحتها يؤكد التقرير ان العنف الذي استخدم ضد المتظاهرين العزل كان بمستوى «عنف الحروب وما يقتضيه من استخدام الذخيرة الحية»، ويتهم التقرير القوات الامنية بالتصرف وكأنها «آلة لتدمير المجتمع».

ويبدو نشر هذا التقرير الرئاسي في بلد اعتاد العيش على انصاف الحقائق ازاء حالة من العنف امتدت على طول عقد من الزمن، خطوة شجاعة نحو الحقيقة. رغم ذلك، فان التقرير يقصر عن تحقيق غرضه في ما يتعلق بعدد من المسائل، فهو يتهم «قوى خارجية» بالتدخل الى جانب الدرك في التصدي للمتظاهرين، ولكنه لا يقول لنا من هي هذه القوى الخارجية، ولا من اين اتت او من يقودها.

كما اعتبر التقرير ان قرار فرض حالة الطوارئ على تيزي وزو، عاصمة منطقة القبائل، ساهم جزئيا في اعادة اشعال فتيل الثورة. ولكن التقرير لا يقول لنا من قرر اتخاذ هذا القرار، ولا من امر باطلاق الذخيرة الحية على المتظاهرين. كما جاء التقرير مخيبا لآمال العديدين لإحجامه عن تقديم توصيات باحالة المسؤولين عن الاحداث الدامية الى القضاء، ولأنه لا يقترح اي اجراءات لمنع حصول مواجهات مؤسفة مشابهة. ومع ان التقرير ذهب الى حدود بعيدة وفق المعايير السائدة في الجزائر، وهو امر مرحب به، لكنه لم يصل الى الحد الكافي بالمعايير التي يتوقعها معظم الجزائريين.