ثورة الإنترنت وخطر الإرهاب في الفضاء المعلوماتي

TT

يبدو الاقبال الشديد على تأسيس شركات الانترنت التي تتعامل عبر التجارة الالكترونية مثل الاقبال المجنون على الموضة، فما ان تنزل ازياء موسم من مواسمها في السوق حتى يهرع الجميع الى الاقبال عليها. غير ان الانترنت في الواقع ليست مجرد ظاهرة موسمية يرتبط الاقبال عليها بموسم او وقت محدد، وان كنت من المعتقدين بذلك فدعنا نجلس ونتحدث بعد خمس سنوات من الآن. فعندها سيكون قد توضح ان الانترنت ثورة في عالم المال والاعمال تحدد طرائق واشكال الاتصال بين قطاعاته المختلفة وكيفية شراء المواد وبيعها، كما انها ثورة اجتماعية تصل بين جماعات من الناس لم تكن مرتبطة فيما بينها من قبل ابدا، ولهذين السببين فانها معضلة استراتيجية بدأنا للتو نعي بها.

وكنت قد كتبت أخيرا ان اسامة بن لادن ربما يكون قد كتب الى رجاله، بعد ان سحبت ادارة الرئيس الاميركي بوش على عجل فرقا من المارينز كانت تجري تدريبات لها في الاردن، إثر تلقيها تهديدات بالقتل من عصابة بن لادن. وبعد يوم على نشر مقالي هذا في صحيفة «ذا تايمز» وعلى موقعها على الانترنت تلقيت رسالة الكترونية من اثنين من المارينز شاركا في التدريبات التي اجريت في الاردن. وابدى الاثنان انزعاجهما مما كتبت عبر رسالة ارسلاها من على متن سفينتهما، «يو اس اس هاربيرز فيري»، بينما كانت تبحر بعيدا عن الاردن، ووبخاني على تلميحي الى ان قوات المارينز كانت تتقهقر في الواقع.

وعلى حد تعبير احدهما «فاننا لم نطرد من الشرق الأوسط، وصدقني نحن هنا... فقوات المارينز لا تتقهقر يا سيد فريدمان... سمبر فيدليس).

وهنا تتجلى ثروة الانترنت الاجتماعية، بربطها مجموعات من الناس لم تكن متواصلة فيما بينها من قبل ابدا. وفي عام 2001، سيزداد استخدام الشركات للانترنت في الوصول الى الزبائن ومنتجي البضائع والموظفين الى 3 اضعاف ما هو عليه اليوم اي الى ما تصل قيمته الى نحو 260 مليار دولار من الاعمال التجارية في ارجاء العالم كله، وهذا هو ما اصفه بتطور عالم المال والاعمال عبر الانترنت.

وتنبع المعضلة الاستراتيجية من هذين الامرين، فكلما اصبح ارتباطنا ببعضنا البعض اشد احكاما، اصبحنا اجتماعيا وماليا اكثر ضعفا امام حصول اي انهيار للنظام الذي يسير حياتنا. وخلال السنوات الخمس المقبلة، وبعد ان يتضاعف الاعتماد اكثر فاكثر على الانترنت في تسيير المزيد من الانظمة الحياتية المختلفة، لو تمكن شخص من العبث بمراكز الانترنت الرئيسية في الولايات المتحدة (حتى وقت قريب كان ربع حجم الاستخدام الكلي للانترنت يمر عبر بناية واحدة في تيسونس كورنر قرب «مورتن ستيك هاوس»)، فهاك ما سيحدث، سيتعطل عدد كبير من القطارات، وينشل قطاع كبير من النقل الجوي، وسيتعذر تحويل الطاقة من منطقة الى اخرى، وستتعطل خدمات البريد الالكتروني وجهاز المسح في عيادة طبيبك لانها باتت الآن مربوطة بالانترنت.

ولماذا هذا كله؟ لان بيانات الشركات والمكالمات الهاتفية والبريد الالكتروني التي كانت تعمل قبل 10 سنوات من خلال شبكات منفصلة، باتت الآن اشاراتها الالكترونية تستخدم نفس الكيبلات المصنوعة من الالياف البصرية وعبر نفس المسارات. وهذه توصف بـ«غيمة تكنولوجيا المعلومات»، التي تمثل شبكة ضخمة ومعقدة من الخطوط والمسارات، حيث يمكنك ان تبصر صوتك وبياناتك او رسالتك الالكترونية تعبر من نقطة فيها وتخرج من اخرى، ولكنك لا تدري بالضبط ما يجري فيما بين النقطتين.

تركز خطط بوش الدفاعية جهودها على نشر درع واق من الصواريخ يحمي البلاد من صواريخ قد تطلقها علينا دول معادية. غير ان احتمالات تعرضنا الى اخطار الارهاب في الفضاء المعلوماتي التي تحاول تخريب شبكاتنا وانظمتنا تعد اكبر. وكلما اصبحنا اشد ارتباطا والتصاقا، اصبحنا اشد اعتمادا على الشبكات الانترنتية، واصبح بمقدور عمل ارهابي واحد التسبب في حالة عارمة من الفوضى.

وما يزيد من حدة هذه المعضلة الاستراتيجية المتعلقة بالانترنت هي امتلاك القطاع الخاص للقسم الاكبر منها. مما يعني ان الجيش الاميركي غير قادر على حماية شبكتنا الانترنتية بالسهولة التي يحمي بها حدودنا. ولهذا فان على الحكومة ان تبادر الى اقناع القطاع الخاص بتحسين الاجراءات الامنية لصيانة شبكات الانترنت والاحتفاظ بنسخ دائمة وتزويدها بمعلومات عن الاعمال التخريبية في الفضاء المعلوماتي، وذلك انقاذا لاندماجنا وترابطنا وصيانته من تخريب النظام والشبكات التي تعمل على ابقائه.

ان الرئيس بوش سيكشف قريبا عن برنامج متطور لمكافحة خطر الارهاب في الفضاء المعلوماتي. غير ان الحكومة الاميركية لا تنفق حتى الآن غير 1.8 مليار دولار في العام على حماية شبكاتنا الانترنتية، التي تتعرض، كما سيخبرك العاملون في مكتب التحقيقات الفيدرالية (اف بي آي)، للهجوم والتسلل بشكل يومي من جانب ارهابيي الفضاء المعلوماتي. وماذا نفعل نحن؟ اننا ننظر في انفاق 100 مليار دولار على نشر درع واق من الصواريخ يقينا من صواريخ لا يمتلكها الارهابيون بعد وربما لا يمتلكونها ابدا. وربما نحن بحاجة الى ان نعاني من هجوم حقيقي على الفضاء المعلوماتي يتسبب في الحاق حالة من الفوضى العارمة بيننا حتى نعي ان الخطر الكبير الذي يترصد لن يأتينا على شكل صواريخ تخترق جدراننا، بل انه سيصل الينا عبر الانترنت.

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»