قراءة في أعماله

TT

لي أن اقرأ مستقبل ممارسات ارييل شارون، رئيس وزراء اسرائيل، في نتيجتين محتملتين تمثلان اقصى السلبية واقصى الايجابية. فقد سبق له ان تحدث اكثر من مرة عن اسفه من ان السلطات الاسرائيلية لم تدعم فتح وبقية الفصائل ضد النظام الاردني عندما وقعت مواجهة ايلول قبل ثلاثين عاما، وبالتالي، كما يتصور، تخلص من الفلسطينيين في الضفة الغربية بحكم وجود لهم دولة شرق النهر. بطبيعة السياسة في المنطقة، هذا تصور ساذج ومستحيل. والسلبي والخطير هنا، انه يريد خلق مواجهات كبيرة ومتكررة اعتقادا منه انه قادر على دفع كم كبير من الفلسطينيين عبر النهر. وهذا سيعني حتما اعلان حالة حرب في المنطقة. اما الايجابي فإن شارون بكل افعاله عزز من موقف الفلسطينيين المتشددين، وقد يوصلنا بحربه الحالية الى مرحلة تفرض تدخل الدول الكبرى كما رأينا ملامحها في قضية المراقبين وملاحقات شارون. وفي تصوري ان حالة غزو بيروت قد تتكرر، فشارون عندما دخل لبنان لاخراج المنظمة فعل خيرا لها. فهي من جانب اصبحت شرعية معترفا بها، ومن جانب آخر عندما غزا بيروت عام 82 جنب الفلسطينيين مواجهات الحرب الاهلية اللبنانية التي تبقت منها ثماني سنوات، وكان من الممكن ان تقضي على الحركة الفلسطينية عربيا بعد ان تورطت في حربين اهليتين. شارون اخرجها من بيروت لكنها عادت الى غزة واريحا. فكسبت وخسر هو كل شيء.

لكن لماذا يفعل شارون كل هذه المغامرات؟ يريد ان يمتحن حدود الرد والحركة عند الجانب العربي، وبصفة خاصة الحكومات العربية المعنية. يريد وضع المنطقة على حافة بركان.. مثلا عندما يشجع ويحمي جماعة يهودية متطرفة صغيرة باعلان البدء في بناء الهيكل، الذي يعني عمليا اعلان حالة حرب دينية. وقبل ذلك عندما قصف غزة بالطائرات، ثم دخلها بالدبابات وباشر عمليات اغتيال فردية وجماعية لنشطين فلسطينيين.

كل هذه الاعمال تهدف الى دفع المجموعة العربية المعنية بالصراع الى حافة الهاوية.

والسؤال لماذا يريد شارون ان يؤزم الأمور؟

لا اعتقد انه يملك مشروعا سياسيا وراء كل هذه الاعمال سوى الانتقام، وهذه هي شخصية شارون التي لم تتبدل. لكن احيانا مثل هذه الاعمال قد تخلق اوضاعا جديدة في المنطقة سلبية او ايجابية. فشارون مهما ارتكب من جرائم اضافية، ومهما كبرت اسلحته فان الحقيقة المهمة انه لا يستطيع التخلص من ثلاثة ملايين فلسطيني، ولا يستطيع الغاء السلطة الفلسطينية مهما حاربها، فرديا وجماعيا، كونها نظاما سياسيا ولد دوليا في اوسلو وباعتراف الدول الكبرى، بل ان شارون نفسه مهما عمل واستمال بأفعاله التدميرية الغاضبين من الاسرائيليين، لن يستطيع ان يعيش طويلا كرئيس وزراء، لأنه يعمل ضمن ائتلاف حكومي معرض للسقوط لاسباب لا علاقة لها بالحرب ضد الفلسطينيين.