ريشة شارون.. تعليق عوفاديا

TT

اذا كنت قد كتبت هذا الكلام من قبل، فانني اعتذر عن ذاكرتي ولكن ليس عن التكرار. فهو كلام تتجدد مناسبته كل يوم. وخلاصته ان ارييل شارون قد حقق للعرب وللقضية العربية ما لم يحققه احد. فقد وحد فيما بينهم، ارغاما واختيارا. ومنع المهرولين من الركض. وابقى لاسرائيل من العرب موريتانيا رمزاً «للشرق أوسطية» القادمة من اعماق افريقيا.

كان كمال ناصر يقول ساخرا، ليس لنا سوى الاعتماد على الاسرائيليين. انهم الأمل الوحيد في جمع العرب. ومنذ عام تقريبا وارييل شارون يقرب بين العرب طوبة طوبة. ومنذ ان دخل المسجد الأقصى محفوفا بحرس ايهود باراك الذي أراد ان يحرق نتانياهو، وهو لا يكف عن تحقيق الانجازات الكبرى. لقد كان السبب في قيام اهم واعمق ثورة فلسطينية في التاريخ. وكان السبب المباشر في خروج مصر الرسمية، او في اخراجها، من الالتزام الذي دمره وداس عليه. وحسني مبارك يتحدث الآن في لغة الحرب والمواجهة اكثر من ياسر عرفات. وارييل شارون هو الذي كشف للغرب وللعالم، وربما ايضا للزميلة القطرية «الشرق»، حقيقة مشروع السلام والتعايش والتبادل الاسرائيلي، الذي يمثل وجهه العسكري والسياسي الائتلاف الوطني الحاكم ويمثل وجهه الاجتماعي الحاخام عوفاديا يوسف الذي يشبّه العرب يوما بالافاعي ويجب قتلهم، ويوما آخر بالنمل وتجب ابادتهم.

قلب ارييل شارون منذ دخوله الأقصى الى اليوم، كل خطوة تمت ليس منذ مدريد، بل منذ حزيران 1967. قلب كل وساطة وكل قرار وكل مسعى وكل انجاز دولي واعاد كل شيء، وفق تعبيره، الى العام 1948. وفعل ذلك بعلنية ومجاهرة ووقاحة لا مثيل لها. وازاح من الطريق تماما التيار الاسرائيلي المنادي بالصلح. وحول شمعون بيريز من مبشر بالسلام الى جانب اسحق رابين، الى مبرر للقتال والهمجية، الى جانبه. وليس هناك من هو مضحك مثل مفكر ومنظر الشرق اوسطية الذي اصبح وزير الخارجية الأقل ظهورا في تاريخ اسرائيل. فالمستر بيريز لا يتكلم ولا يسافر ولا يزور ولا يزار، هو الذي كان مريضا بحب التنقل ووباء الكلام. وكان المستر بيريز يثرثر منذ صياح الديك الى غروب النهار عن السلام والتسوية والتعاون والشرق الأوسط الجديد، وهو اليوم شاهد زور معلن عند الزمرة التي اعادت الشرق الأوسط الجديد اربعة آلاف عام الى الوراء. وبالأمس كانت واجهة اسرائيل اسحق رابين في السلطة وعاموس اوز في الفكر واليوم واجهتها شارون وعوفاديا يوسف. وكما وجد بيريز لنفسه مكانا مع السابقين يرتاح هنيئاً هانئاً اليوم بين قرارات شارون وطروحات مفكر حزب شاس.

وخلف كل هذا المشهد المحزن والقاتل من الدمار والتعذيب ومعسكرات الاعتقال والعنصرية النازية، اما في جزمات العسكر او في تصريحات عوفاديا يوسف. برغم كل ذلك، يبدو منظر اسرائيل مضحكا اليوم: الدولة المسيطرة على الدولة الأقوى، يقودها، هي وعلماؤها وجامعاتها واموالها، ارييل شارون وعوفاديا يوسف. لقد بنيت اسرائيل تحت اسم اينشتاين وزاخاروف والتيارات الفكرية في اميركا وروسيا واوروبا، وهي اليوم ذات علامتين خارقتين: ارييل وعوفاديا. انها قيامة العصر الحجري بكل اشباحه ورموزه وشعاراته ومطالعاته. وتلك الصورة التي حاولت ان ترسمها اسرائيل في الغرب طوال اكثر من نصف قرن، ضائعة بين اقدام الثنائي المذكور. وبدل «آن فرانك» ومذكراتها، هناك الآن صوت محمد الدرة الأخير وصورته الأخيرة. اسرائيل تعيد رسم صورتها في العالم: ريشة ارييل شارون، تعليق عوفاديا يوسف.