حبل الكذب قصير.. وأقصر

TT

أخضع المحققون الامريكان السيناتور كاندت لجهاز كشف الكذب للتحقق من صدقه او كذبه في انكار علاقته بشاندرا ليفي. هذا جهاز كثيراً ما يلجأ اليه الامريكان، ربما لكثرة الكذب عندهم. يعتمد هذا الجهاز على التوتر اللاارادي الذي ينتاب صوت الانسان عندما يكذب. يستطيع كشاف الكذب استعمال اللوغاريتمات في تحسس هذا التوتر خلال 10 ـ 15 ثانية. الان تمكنت احدى الشركات من صنع جهاز مصغر نقال من كشاف الكذب سمته بالترستر (الواثق) لا يتجاوز طوله الثمانية سنتمترات وعرضه الخمسة سنتمترات اي يمكن حمله في الجيب او اي حقيبة يدوية ويعمل ببطاريات صغيرة.

هذا فتح مبين في عالم الكذب والصدق. ففي السابق كان الناس يكتفون بالحلف بشرفهم «وشرفي ما فعلت كذا وكذا» ولكن بعد ان فقد اكثر الناس شرفهم ولا سيما بعد تبني اقتصاديات السوق والكسب الحلال والحرام، لم نعد نثق بمثل هذا الكلام. لسنين طويلة، اعتاد البشر على الاعتماد على القسم بالله ووضع يدهم على الكتب المقدسة. ولكن هذا ايضا لم يعد ضمانا للصدق. هناك بين الناس من اصبح يفضل النجاة من غرامة مخالفة مرور على النجاة من عذاب الآخرة.

الان بيدنا هذا الكشاف للكذب. صمم بصورة خاصة بحجم يناسب شنطة اي امرأة. تحمله معها اينما ذهبت. حالما يقول لها اي رجل «احبك» تخرج الجهاز من شنطتها وتوجهه عليه. والويل له اذا اشار المؤشر الى نقطة «كذب فظيع». فللمؤشر تسع درجات تتراوح بين الصدق التام والكذب الفظيع. واجرت الشركة المنتجة هذا التدرج اعترافا منها بان الكذب كثيرا ما يمتزج بالصدق، والحب غالبا ما تشوبه الانانية والمصلحة، والوطنية ياما وياما انطوت على الانتهازية والوصولية. هذه شركة تفوق سقراط وارسطو في حكمتها. كما ان المدة المخصصة للجهاز في كشف الكذب من الصدق وهي عشر ثوان مدة معقولة في عوالم الحب والغرام حيث اصبحنا نرى الحب ينقلب الى كره والكره الى حب، في اقل من ذلك. وكم من فتاة ضيعت نصيبها لترددها لاكثر من عشر ثوان.

يعود الرجل الى بيته متأخرا في الليل، فيجد زوجته متربصة له وراء الباب وبيدها لا المكنسة او الطاوة وحسب، بل وجهاز الترستر ايضا. تفتحه في وجهه فورا وتقول: اين كنت حتى الان؟ ما ان يقول لها «في المكتب» او «المقهى» ويدوي الجهاز بكلمة «كذب» حتى تهوي على رأسه بالمكنسة او الطاوة.. وخذ يا عمي وين ما يعجبك! هذا جهاز يوفر للناس الكثير من الوقت، في الاستجواب والتحقيق وسؤال الشهود الحضور، في الحلف والقسم والوضوء ووضع اليد على القرآن الكريم. عشر ثوان امام الجهاز هو كل ما نحتاج اليه، وهي مدة مناسبة في عصر السرعة هذا.

واعتقد ان للترستر ايضا فائدة سياسية كبيرة ونحن على ابواب الحياة البرلمانية يربط كل عضو في المجلس وكل وزير في الدولة بهذا الجهاز، مع مكبرة للصوت. ما ان ينطق ويقول: «نفديك يا فلسطين» حتى يدوي الجهاز بكلمات: كذب! كذب! كذب فظيع!».

لا نحتاج عندئذ الى اي معارضة تكشف الحق من الباطل وتخضع هي الاخرى لسلطان هذا الجهاز الكشاف. لن يسلم منه غير الصحافيين الذين يكذبون بالقلم الذي لم يخترع له بعد كشاف كذب مناسب.