58 ريالا.. أي كرم تمارسه الوزارة؟!

TT

تزوج معاوية بن أبي سفيان بميسون بنت بحدل الكلبية من بادية الشام فاستحضرها إلى دمشق، وخصها بأبهى القصور، وأحاطها بأعظم النعم، لكن شوق الكلبية إلى خيمتها وعزف الرياح في صحرائها جعلها تذرف الدموع شوقا إلى مرتع صباها وبهجة أيامها، مؤثرة العودة إلى بساطة الحياة، وصفاء الطبيعة، ومن أشهر قصائدها:

* «لبيت تخفق الأرواح فيه ** أحب إلي من قصر منيف

* ولبس عباءة وتقر عيني ** أحب إلي من لبس الشفوف

* وأكل كسيرة في كسر بيتي ** أحب إلي من أكل الرغيف

* وأصوات الرياح بكل فج ** أحب إلي من نقر الدفوف

* خشونة عيشتي في البدو أشهى ** إلى نفسي من العيش الطريف»

* وأكاد أرى في تعلق العجوز التي اقتلعت الريح خيمتها قبل أيام في إحدى القرى على بعد 210 كم من منطقة المدينة المنورة، ونشرت قصتها صحيفة «عكاظ» السعودية ما يشبه تعلق ميسون بنت بحدل الكلبية بحياتها في البادية، فالعجوز التي تقدمت إلى وزارة الشؤون الاجتماعية بحثا عن خيمة بديلة تعزف على جوانبها الرياح أصواتها من جديد، فينبح كلبها الطراق دونها، وتحلو الحياة.. هذه العجوز لم تجد من كرم تلك الوزارة سوى 58 ريالا تعويضا عن نسبة 15% من قيمة الضرر الذي حل بخيمتها!

هذا القياس التعويضي الذي طبق على العجوز بالمسطرة والقلم ينتزع الضحكات الممزوجة بالألم من دواخل الإنسان، وشر البلية ما يضحك.. فحينما تضيق الدنيا برحابتها عن غرس خيمة جديدة في صحراء تلك المسنة فقل على الدنيا السلام!

أعرف أن قلوبا حانية ـ بعد النشر ـ ستهب لنجدتها، وأيد كريمة ستحنو عليها، ولكن هل تتسع عيون الصحافة دائما لرصد كل ما تدمره الريح في صحرائنا الممتدة من البحر إلى البحر من خيام، وبيوت لبن، ومضارب تقاوم سطوة الأيام بالدعاء؟!

إن وزارة الشؤون الاجتماعية، بقيادة وزيرها المثقف والإنسان الدكتور يوسف بن أحمد العثيمين هي التي يفترض أن تكون عيون الوطن الرحيمة، التي لا تخضع نجدتها للمواطن لمثل تلك البيروقراطية التي تمخضت بعد تعثر عن 58 ريالا فقط!.. فلو أرادت العجوز أن تشتري بذلك المبلغ الهزيل حبرا وأوراقا لمعاملتها، وأوتادا وحبالا لخيمتها التي مزقتها الرياح لما كفتها، وحسبنا وحسب تلك العجوز رب رحيم.

[email protected]