السخرية من المشهداني أو من الديموقراطية

TT

محمود المشهداني كان يجلس على أهم كرسي برلماني عراقي، كرسي رئيس مجلس النواب. ولأنه صاحب سجل مغمور، لم نجد تفسيرا مقنعا لماذا اختير رئيسا لمجلس النواب قبل عامين ونصف العام. احدهم علق بانه وفق نظام المحاصصة الطائفية مقعد رئاسة النواب للسنة، على اعتبار ان رئاسة الجمهورية للاكراد، ورئاسة الحكومة للشيعة. ترشح اثنان فقط من النواب السنة، المرشح الأشهر كان النائب صالح المطلق الذي سحب ترشيحه بعد ان قيل له انه لن يحصل على الأغلبية، خاصة أنه محسوب على المعارضة، فصار الكرسي من حظ النائب المجهول. أحد المرتابين دائما بأن العالم يدور وفق نظام مرسوم، قال إنهم اختاروا المشهداني حتى يضحكوا العالم كل يوم على السنة العرب. استنكرنا الوهم التآمري، خاصة أن سجل الرجل يبز زعامات العراق الجديد، فقد كان طبيبا في جيش صدام، وكان منضويا تحت تنظيم اسلامي، وسجن مرتين في العهد البعثي البائد. ومع مرور الأزمات والفضائح، التي حفل بها البرلمان، صار المشهداني بالفعل محل تندر الجميع، الذين انقسموا حوله، بين من يراه ظريفا اضاف الى السياسة العراقية الثقيلة شيئا من البهجة، وهناك من كان يراه مهرجا مؤذيا يستهدف بسخريته إضعاف الاطراف في البرلمان والساحة السياسية.

بدا المشهداني للبعض أنه ينافق الأحزاب الكبيرة بكل الوسائل، ويبالغ في مدح إيران، وشتم الدول العربية السنية بلا مبرر، اللهم ربما رغبته في البقاء رئيسا للمجلس. الا ان ذلك لم ينفعه دائما، فالايرانيون عندما قرر زيارتهم منعوا طائرته من ان تحط في مطار طهران واعادوه الى بغداد. زعموا انهم لم يعرفوا من هو المشهداني، بعد إهانة ذلك اليوم أرسلوا له طائرة ايرانية بديلة في الغد. بلع الإهانة واستمر يسخر من الآخرين ويثير السخرية ايضا، او البهجة، لكنه رغم كثر ثوراته كان يتحاشى العبث مع الكبار، حتى زل لسانه مرة ضدهم، فزلت قدمه بعدها الى خارج مجلس النواب، وفقد مقعده في تصويت شعبي كاسح ضده، رغم أنه اعتذر.

الاستقالة كانت أحسن عمل قام به المشهداني في تاريخه، عسى ولعل ان تشجع استقالته لعبة الكراسي السياسية العراقية، فتكون فرصة تدريبية للجميع وعبرة أيضا. فقد دخل المشهداني رئاسة البرلمان بترشيح السنة، واجتهد كثيرا من أجل ارضاء الاطراف الشيعية فترة رئاسته، وخروجه الاخير مغضوبا عليه تقريبا من كل الطوائف والاديان، فيه برهان على سيئات المحاصصة الطائفية. نظام المحاصصة، وان كان يمنح مقاعد رئاسية وسياسية رئيسية حتى للقوى الاصغر لضمان انخراطهم في العملية السياسية وحماية حقوقهم، الا انه في النهاية لا يحقق شيئا من ذلك، بل يعزز من الخلافات السياسية بين الطوائف. وهذا ينطبق فعليا على كل المناصب، وعلى رأسها رئاسة الحكومة التي تحولت الى خدمة «الدعوة»، حزب رئيس الحكومة فقط، مما سبب غيظا اكبر بين بقية الاحزاب الشيعية.

[email protected]