رئاسة الاتحاد الأوروبي.. أية حصيلة للفرنسيين؟

TT

إن كانت الرئاسة الفرنسية للمجموعة الأوروبية قد بدأت بكارثة «اللا» الإيرلندية إلا أنها لا محالة قد انتهت على نغمة تفاءل كبيرة بإعلان اتفاق دول الاتحاد على خطة موّحدة من أجل البيئة، وبعد مضي ستة اشهر على بدايتها لا نملك إلاّ أن نرى حصيلة الرئاسة الفرنسية وهي «غنية» بالإنجازات.

الحركة الدءوبة للرئيس ساركوزي ـ الذي كان في مقدمة كل الجبهات ـ أثبتت مرة أخرى طموحه الكبير وسعيه للفوز بزعامة الاتحاد. طُرقُ معالجته للمعضلات التي واجهته منذ البداية اختلفت، فهو إن كان قد اختار الحكمة والتّروي لحّل مأزق الرفض الشعبي الإيرلندي في استفتاء الانضمام للمجموعة، فهو قد تصرف بمفرده وبدون الرجوع لشركائه في قضية «التدخل العسكري في جورجيا»، وكلنا يتذكر ردود الأفعال الغاضبة لشركائه وخاصة الألمان حين قرّر التفاوض مع بوتين وانتزاع وعد بتهدئة الأمور.

لكن أكثر ما ميّز هذه الرئاسة هو تسجيلها لتدهور في العلاقات الفرنسية الألمانية لأول مرة منذ سنوات بعد احتداد معركة الزعامة بين أهم وزنين في الاتحاد، وظهور خلافات كثيرة في وجهتي النظر بين الأسلوب الحيوي الإرادي للرئيس ساركوزي والأسلوب الهادئ المتحفظ للمستشارة الألمانية.

المنعرج قد يكون خطيرا علماً أن تنسيق القرارات بين الثنائي الفرنسي الألماني طالما أُعتبر المحرك الأساسي للمجموعة الأوروبية وشرطا من شروط استمرارها. والواقع أن المبادرات الأحادية للرئيس الفرنسي ورغبته في الظهور تسببا في إزعاج أنجيلا مركل في أكثر من مناسبة: إبتداءً من الاتفاقية المصّغرة التي دعا إليها في بروكسل لإخراج أوروبا من المأزق الذي وصلت إليه بعد «اللا الإيرلندية» والذي سرق فيها الأضواء من «مركل» رغم أنها هي من كانت ترأس الاتحاد آنذاك، إلى الاتحاد من أجل المتوسط الذي عارضته في الأول لأنها رأت فيه نيّة مبّيتة من الرئيس الفرنسي لاستغلال رئاسته من أجل فرض زعامة بلاده، مرورًا بخطة إنقاذ البنوك وإنعاش الاقتصاد التي رفضتها أيضا لأنها تعتبر وضعيتها الاقتصادية مختلفة وبالتالي فهي غير معنية بالحلول التي يقترحها ساركوزي.

أكثر خطورة، التّردي الذي بات يطغى على العلاقات الأوروبية الصينية بعد استقبال الرئيس الفرنسي للزعيم الروحي التبتي «الدلاي لاما»، وفي الوقت نفسه التطور الملحوظ الذي طرأ على العلاقات الإسرائيلية الأوروبية والذي تجسّد بإمضاء اتفاقية شراكة ممّيزة بين إسرائيل والاتحاد يومي 8 و 9 ديسمبر وهو نفس اليوم الذي قدم فيه مندوب الأمم المتحدة «ريتشارد فالك» قراره الذي يفيد فيه بوجود تجاوزات إسرائيلية خطيرة في الأراضي المحتلة.

الرئاسة الفرنسية للاتحاد كانت أيضا فرصة كشفت عن مدى تشبث الرئيس الفرنسي بفكرة «أوروبا الدفاعية» وسعيه الحثيث وراء تحقيق هدفه بفرض الزعامة الفرنسية على «الجناح الأوروبي» للناتو، وهو التوجه الجديد الذي عمل عليه منذ البداية بإعلان عودة فرنسا لحظيرة الحلف بعد أربعين سنة من الغياب وهو ما يفسر أيضا التقارب الفرنسي الروسي غير المنتظر ـ علما أن الرئيس ساركوزي كان سابقا أكثر من انتقد شيراك على علاقاته الممّيزة مع روسيا، وها هو اليوم يحاول ضم نفس هذا البلد لحلمه بأوروبا دفاعية تمتد من الأطلسي إلى روسيا والأناضول وهو لذلك يقترح شراكة اقتصادية ممّيزة مع هذه الدول مقابل تأمين «فضاء أمني أوروبي»، وهو بالتأكيد ما يفسر أيضا التقارب البريطاني الفرنسي الملحوظ هذه الأيام مقابل فتور العلاقات مع ألمانيا، وقد ظهر ذلك جلياً من خلال غياب ألمانيا في قمة لندن الأخيرة رغم امتلاكها لثلث ثروات الاتحاد الأوروبي ولا يمكن تصور أي حلّ بدونها.

رغم انتهاء فترة الرئاسة الفرنسية إلا أن الطموح النابليوني للرئيس الفرنسي لا يزال قائماً بتزعم الاتحاد بطريقة أخرى، كما لمّح إليه هو نفسه في القمة الأوروبية الأخيرة حين قال إن بناء أوروبا قوية يستحق أكثر من رئاسة تختلف معالمها كل ستة اشهر أو ما قاله «مانويل باروزو» رئيس اللجنة من أن أوروبا تحتاج الآن إلى زعامة قوية تليق بطموحها في العالم، ولهذا فلا نستبعد أن يتّم قريباً ـ كما تنص عليه اتفاقية لشبونة ـ الاتفاق على إنشاء منصب «رئيس المجلس الأوروبي» يعهد لساركوزي لمدة سنتين ونصف السنة متجددة ليكون أول زعيم أوروبي رسمي في تاريخ القارة القديمة.

[email protected]