عيب على الفاعلين.. وليس العراق

TT

عيب قتل المسيحيين وتهجيرهم، وعيب خضوع العراقيين للمنطق الشوفيني والطائفي، وعيب أن يصبح تاريخ واحدة من أعرق دول العالم مطعوناً فيه، وعيب تشريد وتشرد ملايين العراقيين تحت راية الديموقراطية، وعيب أن يؤخذ بيد جهلاء في مواقع مختلفة، وعيب أن يدين أحد بولاء للغير على حساب بلده، وعيب أن لا تكون لأحد مسؤولية سلطة إلا وباتت موضع شك ومطعونا فيها، وعيب ان تهضم حقوق الناس وفق تفسيرات ضيقة، وعيب أن يتهم السابقون ويترك من توالى على الحكم من بعدهم كأنهم معصومون.

عيب التصرف بازدواجية التفكير والممارسة، وعيب التصرف على أسس طائفية، وعيب استمرار عدم قدرة الدولة على إقامة العدل لتفرض سلطتها على الجميع. عيب عدم احترام الدولة ومؤسساتها، عيب أن لا يكون القاسم المشترك علما واحدا يعلو على كل الأعلام المحلية، وجيشا واحدا للجميع، وقيادة عليا واحدة وسيادة واحدة كاملة.

عيب نزوح العلماء والكفاءات قسراً، وعيب الانفلات الإعلامي وليس حرية التعبير، وعيب أن تضيق الصدور من قول الحق، وعيب ممارسة التغييب القسري ما سبق وما لحق، وعيب إلقاء اللوم على شماعة أخطاء آخرين، وكأن التاريخ متوقف عندها بلا حراك. وعيب منع أو عرقلة دخول مواطن عراقي محافظة أخرى مهما كانت الأسباب والذرائع، وعيب عدم سيطرة الدولة على أموالها، وعدم فرض رقابة على نهاياتها. عيب أن يقطع مسؤول محلي التيار الكهربائي عن المركز أو منطقة خارج مسؤوليته، وعيب عدم محاسبته. عيب عدم بناء جيش وأجهزة أمن كافية بعد مرور ست سنوات، وعيب ازدواجية الولاء في الجيش، وعيب الانتقائية المسيسة والطائفية والعرقية والمحاصصات في بناء الجيش، فيما لدى الدولة عدد كبير من المدربين والمتدربين والقادة يمكن الاستفادة منهم في إعادة بناء جيش تتطلبه ظروف العراق. وعيب الاستئثار بالسلطة، وعيب زرع سياسة الانتقام ليشتعل الأخضر كاليابس بعيدا عن المعتقدات السمحة.

عيب أن يترك طرف خارجي أبى التخلي عن سياسة التوسع والعداء يتصرف بطريقة الهيمنة على العراق، وعيب عدم الانتباه الى مطامع الطامعين من خارج الحدود، وعيب القبول بالاستماع الى تمهيد فرض استحقاقات له على غير وجه حق، وعيب عدم التحسب لنياته البعيدة الغائرة في ذاكرة الأيام. وعيب على من يدّعون مخاصمته من المتشددين من غير لونه ويمتطيهم لأغراضه الآنية والبعيدة على حساب وطنهم وأمن الناس ومستقبلهم.

وعيب أن تكبل البلاد بقرارات محلية تبنى على ثغرات آنية، وأن تؤسس استحقاقات كبيرة داخلية خارجية على قواعد بولغ فيها وشاركت في مسؤوليتها كل الأطراف المعنية. وعيب تحميل البلد أعباء تصرفات نظام سابق ضخمت وبولغ في تصويرها عمداً، مبالغات تجافي المنطق والحق، على حساب العلاقات الاجتماعية والتاريخية والوطنية. وعيب أن يكون العفو منةً وفق ثقافة وغلو بعض الأطراف، بدل أن يكون استحقاقاً للمصالحة والتعايش الوطني وتأكيدا للسماحة في المعتقدات، وهل هناك من هو ليس في حاجة للعفو من الله قبل كل شيء؟

عيب مسخ تاريخ دولة وتضحيات شعب، وعيب تشويه صورة تتصل بالتاريخ وترتبط به.

عيب القبول بتوجيه الإهانات لشريحة من شرائح المجتمع وعدم محاسبة ذلك الشخص الذي صدق نفسه مسؤولاً. وعيب تفتيت بلد بأمواله، وزرع الفتنة بخيراته، وعيب عدم امتلاك كبار السياسيين سلطة القرار على ذلك. عيب ظلم الآخرين لحساب أشخاص يقعون تحت حكم كل القوانين.

وعيب التلويح بسحب الثقة عن حكومة عندما تصطدم المصالح الذاتية المباشرة وليس المصالح العامة، فكيف اذا كان التلويح غير ممكن؟ وعيب أن يغير مسؤولون جلودهم طمعاً في المطامع وخوفاً من استحقاقات المواقف، وليس وفق اعتبارات سياسية وطنية فيتلونون كالحرباء، يخدعون الأبرياء من المحبين لبلادهم، ويركبون موجاتهم لمصالح زائلة، ويغيرون مواقفهم بين ليلة وضحاها، مواقف بنوها على أسس غير نزيهة، وعيب أن يخدع ذوو النوايا الطيبة بها ولا ينبهون.

وعيب على من يؤتمن على مسؤولية ويخونها. وعيب على كل من يتخذ المواقف ويحكم على الأفعال حزمة واحدة وليس تجزئتها.

عيب ان يتحول الانتماء العرقي والطائفي وسيلة للابتزاز والاستغلال والنفع، وعيب أن يصبح المواطن غريباً في أجزاء من بلاده، وعيب ان يصبح الحديث عن الوحدة الوطنية ووحدة البلاد ممجوجاً، وعيب (الرغبة) في تغيير المسميات التاريخية، التي يثير تغييرها حفيظة الآخرين.

وعيب أن تبقى التوجهات الى المجالس والبرلمان محسوبة على أساس الهوية، وأن تبقى معزوفات التفرقة قائمة، وعيب أن يشحن الشباب بروح العزلة والتقوقع والمفاصلة، بدل ان يجبلوا على التعاون والمحبة والانسجام.

عيب أن تتحول مقاييس الخيانة والعمالة والجرم وفق اعتبارات فردية، فتنقلب من هذا الى ذاك، على أسس ظرفية ظالمة. وعيب استخدام عبارات قاسية وهي جاهزة لدى الجميع، ولا يفضل استحضارها، لأن الغاية الإصلاح وليس التشهير.

عيب على من عاشوا في نظام وكانوا جزءا منه ومن مؤسساته، ثم ينقلبون بعد رحليه ويصبحون من المتشددين في التوصيفات ضد من يريدون الإساءة اليهم ممن هم دونهم موقعاً في تلك الحقبة.

وأختتم هذه القائمة الطويلة، الممكن ان تكون أطول كثيرا، بقول القائل:

لا تنه عن خلق وتأتي مثله. وتصريفه الحالي من يذكر فعل ويأتي مثله.. فهل هم متعظون؟

ليس أمام العراقيين إلا الالتزام بمنطق العقل، وركن الدين في المساجد والتمسك به في العلاقة مع الرب والتصرف بالحسنى، لمتطلبات التعايش الوطني، وترك العرقية والشوفينية لصالح الديموقراطية، وطي صفحة التأليب والتحريض والتهويل والانتقام، وليتذكروا العبر في التاريخ، فسياسة الاستقواء لن تستمر طويلا، وكما يقول المثل العراقي، (ما من أحد طالع من فطر الحائط).

أما من المقصود بذلك؟ هذه سيئات طغت عملياً على حسنات فأغرقتها. مسؤول عنها القائمون بها وقائمتهم طويلة، وليس حزباً أو شخصاً أو مسؤولاً واحداً، بل كل تنطبق عليه فقرات أفعاله. أما من يريد بناء دولة وفق قياسات متقدمة وعادلة فلا بد أن يحظى بالتأييد، بصرف النظر عن هويته.

لك الله يا عراق، فمشوارك طويل.

[email protected]