بين بابا نويل.. وبابا غنوج!

TT

احتفل لبنان بأعياد الميلاد في جو جمالي لافت، وانتشرت الزينات في كافة الطرقات وعلى المحال. تذكر العالم (وتذكر اللبنانيون) أن لبنان وجد على أسس التعايش المشترك وأنه مكان للجميع، وأن فيه طائفة مسيحية قديمة ومؤثرة، وهي جزء أساسي من الفسيفساء الذي يتكون منه هذا البلد الصغير. وليس الناس بحاجة لأعياد الميلاد ليتذكروا أن لبنان بلد للمسيحيين أيضا، ولكن مؤخرا يبدو أن أهم وأخطر أعداء مسيحيي لبنان هم المسيحيون أنفسهم، فهناك أصوات داخل الطائفة تريد، وبتركيز شديد جدا، تكريس الهوة بين الفرقاء من جهة، وبين الطائفة السياسية وبين الكنيسة نفسها، مع عدم إغفال زيادة جرعات التوتر مع الطوائف الأخرى، في شد وجذب ومد وجزر تؤدي إلى اضطراب البلد وازدياد معدلات القلق فيه وبعنف. لبنان السياسي مثله مثل مائدة الطعام العامر، كل الأطباق لها دور ولها مكان، جميعها وبدون استثناء، ولن تفيد سياسة الإقصاء والتحجيم والإلغاء. لا يمكن تخيل المائدة اللبنانية بدون نجم المائدة فيها وهو بابا غنوج، وكذلك لا يمكن تصور لبنان السياسي والاجتماعي والثقافي، من دون اعتبار المسيحيين فيه جزءا أساسيا من تركيبته؛ فهو الدليل الدامغ على قدرة الشرق على التعايش والتسامح والتواصل وليس العكس، كما يود أن يروج له بعض الأصوات المتطرفة في الشرق والغرب. في الانتخابات النيابية القادمة في لبنان، سيكون المسيحيون هم الورقة الفاصلة بدون شك. فالشيعة إلى حد كبير محسوم موقعهم، وأصواتهم بالأغلبية الكاسحة ستذهب للتوأم السياسي السيامي (حزب الله وأمل)، وأصوات الدروز ستكون مناصفة بين وليد جنبلاط بشكل أساسي وكبير، وبين طلال أرسلان، والسنة حسمت أصواتها لصالح تيار المستقبل بزعامة سعد الحريري ومن معه، وبالتالي تبقى أصوات المسيحيين، التي من خلالها سيعلن لبنان توجهه المستقبلي وفي أي اتجاه. هل سيتجه المسيحيون إلى تيار يعترف بالتنوع والتوازن ودولة المؤسسات وحقوق الجميع، أم إلى تيار ينتقل بفكرة السيطرة من طرف خارجي لغيره، ومن السيطرة إلى الخنوع والخضوع؟ الأعياد هذه السنة قد تكون فرصة ليلتقط الفرقاء المسيحيون أنفاسهم ويرتقوا بالمارونية السياسية، التي كانت تنادي سابقا بروح متمردة وانفصالية إلى تيار وطني حقيقي يكون الخيط الثابت الذي يحتوي كافة حبوب العقد اللبناني الطويل. المشهد المسيحي السياسي في لبنان لا يبشر بالخير، فحدة الخطابات وتعثر الصلح واللقاءات، والعجز عن تصفية النفوس بشكل واضح وصريح، تنذر كلها بمشاكل كبيرة قادمة، وقد فهم أعداء لبنان خطورة هذه المسألة وبدأوا في استثمارها جيدا وتطوير عناصر استغلالها. ولكن تبقى المقولة الأساسية قائمة وحقيقية، وهي أن بعض الساسة المسيحيين في لبنان هم أشد أعداء البلد نفسه، وعلى اللبنانيين أن يدركوا جيدا أن هذه الانتخابات قد تكون الفرصة الأخيرة قبل أن يتغير لبنان إلى الأبد.

[email protected]