نهاية طريق

TT

اسقف كنتربري، د. روان وليمز، شخصية دينية تثير النقاش. قبل بضعة اشهر أثار زوبعة بقوله إن على القضاء البريطاني أن يراعي الشريعة الاسلامية. وفي رسالة العام الجديد هاجم الحكومة على تشجيع الاستهلاك والصرف. كل الشرائع والقيم التقليدية تحث الناس على الاقتصاد والتوفير وتذم البذخ والإسراف كعمل من اعمال الشيطان. ولكننا الآن نواجه هذا الموقف الشاذ وهو أن رئيس الحكومة يقول للمواطن اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب. دعا الاسقف الخطير الى وضع حد لهذا التهالك على الكسب والإثراء وعبادة المال والتمادي بالبذخ والاستهلاك. حث على الرجوع الى القيم التقليدية، قيم القناعة والاكتفاء بالضروريات والالتفاف حول القيم الروحية والاجتماعية.

هذا كله كلام حكيم ومعقول. فعبادة المال والتملك والاستهلاك اخذت تدمر البيئة وتنسف الاخلاق وتمزق العائلة وتنشر الفساد المالي والجنسي. اي شيء من اجل الفلوس. هذه صيحة شارك فيها اكثر علماء الاقتصاد والاجتماع والبيئة. بيد انها ستبقى صيحة في واد. فهذه القيم المتلفة وعلى رأسها عبادة المال جزء اساسي من النظام الرأسمالي. وبها حقق انتصاراته المذهلة التي تحولت الآن الى علل خبيثة. ولكن لم يجرؤ القوم على قول الحقيقة، وهي انه قد آن لهذا النظام ان يزول.

ربما قصد الاسقف بإحلال القيم الروحية محل القيم النقدية، انقاذ كنيسته من الموت الذي ينتظرها. لقد صاحبت كلمته صدور تقرير منظمة «الابحاث المسيحية» التابعة له والذي يقول ان انصراف الناس عن الكنيسة آخذ في التفاقم المستمر بنسبة 90%. نحو نصف الشعب البريطاني لم يعد يؤمن بالله و3% منهم فقط يعبأون بالذهاب للكنيسة. المتوقع ان ينخفض عدد المتعبدين الى ما لا يتجاوز 88 الفا فقط عام 2050 من هذا الشعب الذي تبلغ نفوسه ستين مليون نسمة. وهذا ما يحملني للاعتقاد بأن المسيحية ستزول كليا من اوروبا البروتستانتية في نهاية القرن.

اذن فلا مستقبل للدين في الغرب لاحلال قيم روحية محل القيم الرأسمالية. الامل الوحيد هو في غرس قيم روحية دنيوية في نفوس الناس بحملهم على الايمان بالمساواة والعدالة وحقوق الانسان ومساعدة المستضعفين وحفاظ البيئة ومعونة الشعوب الفقيرة. نسمع عن الكثير من الناس الذين جعلوا هذه الاهداف في حياتهم بديلا في حياتهم عن الجري وراء المال. المطلوب هو ان نحول هذه القلة الى اكثرية بحيث تصبح المحبة والإثرة متعة حقيقية للمواطن بدلا من الترف وامتلاك آخر موديل للسيارات والتلفزيونات والحسان الغانيات.

سبق لرواد الاشتراكية ان بشروا بهذا التحول ولكن تطبيقاتها مع الاسف جاءت فاشلة وجارحة ودامية. وانهار الحلم. هل سيقدر للبشرية ان تعيد الحياة اليها وتعطيها صيغا جديدة تحميها من الفشل وتحمل الجمهور الى الالتفاف حولها بحيث تتحول عبادة المال الى عبادة الانسان؟ هناك الآن حاجة كبيرة لذلك. الانسان لا يعيش بالخبز وحده ولا بالدولار. لا بد من قيم روحية تحركه.

www.kishtainiat.blogspot.com