كيف فات حماس أن تقرأ الحدث؟

TT

تقول حماس انها بوغتت بالهجوم، ويتبجح الاسرائيليون بأنهم يكسبون المعارك بالمباغتة. ويقول وزير عربي انه بالفعل استخدم لإيصال رسالة كاذبة دون علمه فطمأن حماس ان اسرائيل لا تنوي الهجوم، فاطمأن الحمساويون واستمروا يستعرضون خطبهم ويطلقون صواريخ لا تستهدف الا مزارع ومناطق غير آهلة. وحرص الاسرائيليون على الظهور بأنهم يستعجلون التفاوض مع حليفة حماس سورية وفي النهاية شنوا هجومهم يوم السبت، ففعلوا في حماس ما فعل بهم السادات عندما هاجمهم في شهر رمضان. وهذا كله يبدو تكتيكا اما قرار الحرب فكان قد حسم امره. المأساة ان حماس لا تقرأ ولا تسمع وهكذا لدغت، مع انها يفترض ان تكون على أهبة المواجهة على مدار الساعة، فهي ميليشيا وان كانت تلبس ثوب الحكومة.

وإسرائيل كانت تستطيع بالفعل هزيمة حماس لأن الفارق بين القوتين هائل وحماس هدف سهل وغزة دائما ارض محاصرة، والذرائع لم تكن قليلة. لكن اسرائيل منذ زمن كانت ترى في ظهور اي فريق فلسطيني ينافس منظمة التحرير الفلسطينية سيخدم مصالحها العليا، منع قيام دولة فلسطينية. اي فريق منافس سيضمن انشقاق الشعب الفلسطيني وبذر فتنة لا تنطفئ. عمليا هذا ما حدث منذ اكثر من عشر سنوات، حتى اضطرت منظمة التحرير بعد سنوات من العراك السياسي والأمني الى مقاسمة حماس السلطة على مضض، وانتهت باستفرادها بقطاع غزة وطرد منظمة التحرير، وتحققت تمنيات اسرائيل لأول مرة منذ قيام دولتها عنوة، شعبان وسلطتان بلا دولة واحدة.

ما حدث الآن عملية متعددة الأغراض، فهي من جانب تقليم اظافر وليست كما سمتها بالرصاص المصفوف. فكلما طالت قدرات اي فريق فلسطيني ستقوم بتقليم اظافره. أيضا ارادت إسرائيل استقبال الرئاسة الاميركية الجديدة بانهاء حرب مؤجلة، كما ان الدولة العبرية على ابواب انتخابات تعد الاصعب في تاريخها، حيث لا توجد زعامة حاسمة، وأي مرشح في السلطة يتمنى ان تعطيه حماس الذرائع، وبكل اسف اعطته الكثير ظنا منها ان اسرائيل مهما فعلت لن تصل بها الحال الى درجة الحرب شبه الكاملة.

نحن مجبرون على احترام حماس لو خططت للحرب، وكانت قادرة على الحاق الهزيمة او بعضها، او اضطرت الاسرائيليين نحو خيارات سياسية صعبة، الا ان حماس صارت عبارة عن كيس ملاكمة يفتك بها، وباهالي غزة، الاسرائيليون لكما وبوحشية. ميدانيا استطاعت اسرائيل هدم كل ما يتبع حماس او استولت عليه من فتح، وراح في الحرب خيرة من افرادها بشكل عبثي، فهل كانت الصواريخ الاستعراضية كل هذا العذاب والدمار مجانا؟ الا يرن في آذانكم مقولة السيد حسن نصر الله بعد نهاية حربه مع اسرائيل لو كنا نعلم نتائج اختطاف الجنديين الاسرائيليين هذا الدمار ما فعلنا.

الاسرائيليون يريدون اعادة حماس الى وضعها السابق، ويريدون مفاوضات مع سورية بلا صخب فلسطيني، وينشدون استقبال باراك اوباما، الرئيس الاميركي الجديد، بدون احراجه بحرب ما، ويريد المتنافسون لم نقاط انتخابية قد تعدل ميزان الشارع المائل قبل الحرب نحو بنيامين نتنياهو، فتذهب بعضها الى باراك وليفني. لهذا السبب كم هو مفيد جدا ان يكون لدى الانسان عقل يتبصر به لا مجرد لسان يصرخ به. ان اهل غزة لا يستحقون ما يحدث.

إسرائيل وحماس راحت ضحية شهوة الاستعراض الكلامي، كما حدث لعبد الناصر وصدام وكل القوى العربية التي تسكرها صيحات الشارع وتصفيق الفضائيات.

[email protected]