ما يريده الأفغان

TT

من السهل أن يصيبك الاكتئاب لدى قراءة الأخبار الواردة عن أفغانستان، ومنها: يزداد المتمردون قوة، كما أن الولايات المتحدة ترسل قوات إضافية قوامها 20000 جندي إلى هناك، وما زال وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس يعترف بأن الجنود الأميركيين ليسوا حلا طويل المدى، إذاً ماذا علينا أن نفعل؟

عند فصل هذه المشاكل السياسية، فمن الأفضل الحديث مع أفغان مثل سعد وجاهد محسني، اللذين يتصارعان يوميا مع تلك المشكلات. ويدير الأخوان المستثمران شركة إعلامية في منطقة كابل التي يدور فيها القتال. وبعيدا عن الاستسلام، فإنهما يستمران في التفكير في أساليب مبتكرة للتأقلم والبقاء.

وقد التقيت للمرة الأولى مع الأخوين محسني في شهر إبريل (نيسان) بمقر مجموعتهما الإعلامية في كابل والمسماة بـ«موبي». ثم التقينا مرة أخرى في العاصمة الأميركية واشنطن خلال الأسبوع الماضي، وأقنعتني تعليقاتهما بأن الكثير من المشرعين الأميركيين يسيئون فهم وتشخيص الخطر الحقيقي الكامن في أفغانستان. فما سوف يدمر تجربة الديمقراطية بالبلاد ليست طالبان، ولا جماعات المتمردين الأخرى، بل عدم سيادة القانون، والفساد الذي أتيح له النمو سريعا تحت ظل حكومة الرئيس حامد كرزاي.

ويتمثل محور القضية في سوء الحكم والإدارة. كما أن التهديد الأكبر الذي يواجهه الأخوان محسني في الوقت الحالي لا يتجسد في هجمات المتمردين من مقاتلي طالبان، بل عمليات الاختطاف التي تقوم بها العصابات الإجرامية التي تدمر الحياة الطبيعية في كابل. وقد أخبرني سعد محسني بقوله: «إن إعادة انبعاث طالبان من جديد نتيجة لتوق العامة إلى القانون والنظام».

وقد عاد الأخوان محسني إلى وطنهما لتأسيس شركتهما بعد الإطاحة بحركة طالبان عام 2001. وبدءا عبر قناتهما الرئيسة «تولو تي في» بتقديم وإذاعة البرامج والعروض التي رمزت إلى أفغانستان الجديدة ـ وذلك بدءاً من تقديم البرامج التحقيقية، وحتى البرنامج الموسيقي المسمى بـ«أفغان ستار».

وسيتم عرض برنامج وثائقي جديد يعرض وفق تتابع زمني القصة غير المحتملة لبرنامج «أفغان ستار» في شهر يناير (كانون الثاني) في مهرجان «صاندانس» للأفلام. ويعرض هذا الفيلم الوثائقي البحث الحثيث للأخوين محسني بين المواهب في جميع أرجاء البلاد لإيجاد أفضل مغن هاو. وتدور أحداث الفيلم الوثائقي في بلد كانت طالبان تمنع فيها الغناء، كما أن أعضاء فريق عمل الفيلم أنفسهم يقولون إنه من الممكن أن تخاطر بحياتك من أجل الغناء. وتنافست الجماعات العرقية الأفغانستانية المتنوعة على الغناء بصوت خفيض (أو الدندنة) على المسرح. وفي اليوم النهائي للمسابقة، كان هناك 11 مليون متفرج ـ أو ثلث تعداد السكان ـ يتابعون المسابقة.

وكان هذا أول درس تعلمه الأخوان محسني: فأفضل طريقة لإعادة الهدوء إلى دولتهم التي مزقت الحرب أشلاءها، أن تمنح أبناء الشعب شيئا يرغبون فيه جميعا ـ وهو الموسيقى في هذه الحالة. وينطبق نفس هذا المبدأ إذا كان بوسع الحكومة توفير القانون والنظام.

كما قدم الأخوان محسني عروضا ابتكارية أخرى، وأحد تلك البرامج يُدعى «لاف بازار» (أو سوق الضحك) ـ وهو في موسمه الثالث الآن، ويقدم هذا البرنامج للجماهير الممثلين الكوميديين الأفغان. (ولا تعتبر الأعمال الكوميدية الأفغانية بصدد استبدال جاي لينو وديفيد ليترمان، إلا أنها محبوبة). ويوجد عرض آخر يسخر من المسؤولين الحكوميين الأفغان البيروقراطيين، ويسمى هذا البرنامج «في خدمتك يا سعادة الوزير»، وتقوم فكرته على أساس الحلقات البريطانية الشهيرة التي يطلق عليها «نعم يا سعادة الوزير». وهناك مسلسل آخر يُدعى: «أسرار هذا المنزل»، ويصور بطريقة مسرحية إدمان المخدرات، والنزاع الأسري، والمشكلات أخرى من واقع الحياة. وهناك أيضا برنامج واقعي جديد آخر يجري العمل فيه يسمى «الفساد»، ويستخدم هذا البرنامج الكاميرات الخفية، والمخبرين لفضح عمليات السرقة والفساد.

والأمر الحتمي في هذا الأمر، أن البرامج المتحررة التي ينتجها الأخوان محسني باتت تزعج، وتغضب المتحفظين الإسلاميين، وعندما التقيت للمرة الأولى معهما في أبريل، كان الأخوان قلقين من إعادة السيطرة الطالبانية على موجات البث التلفزيوني. لكن هذا لم يحدث، كما أن نجاح قناة «تولو تي في» في التفاوض على اتفاقية مع السلطات الدينية حملتني على الأمل بأن هناك طريقة مشابهة للخروج من الفوضى الأفغانستانية الأكبر في حجمها.

أما ما أثار المسلمين المحافظين على وجه الخصوص، فكانت حلقات «بوليوود» التلفزيونية. ولا تحتوي حلقات المسلسل على أي شيء مخل، إلا أن ما أغضب بعض الأفغان أن المسلسل صناعة هندية. ومن هذا المنطلق، اقترح الأخوان محسني اتفاقًا: فبدلاً من إيقاف عرض المسلسل الهندي الذي يحظى بشعبية كبيرة، فسيقدمان حلقات تركية الإنتاج تسمى «العالم السري»، وتقوم أحداث المسلسل على المبادئ الإسلامية. وأفضى هذا الاتفاق إلى إرضاء وتهدئة السلطات الدينية المكونة من العلماء ـ فضلاً عن كون هذا الاتفاق يمثل نجاحا ملحوظا للعامة من الشعب.

ولإحساسهم بوجود سوق للبرامج الإسلامية، دشن الأخوان محسني مسابقة جديدة لإيجاد أفضل قارئ للقرآن، لأن من يحكم المسابقة.. كما ظننت.. لجنة من العلماء، وهذا نجاح آخر. وقد تم عرض برنامج آخر يطلق عليه «حديث اليوم»، ويقدم البرنامج قدرا كبيرا من الأحاديث النبوية الشريفة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم.

وذكرتني قصة الأخوين محسني بأن الأفغان مثلهم مثل أي شخص آخر، يطمحون في الحياة العادية، مع دخل مرض ومقبول، ومكان آمن لتربية أبنائهم، وبرامج جيدة لمشاهدتها عبر التلفزيون. وقد يتطلب إيجاد بيئة آمنة أكثر من 20000 جندي أميركي، أما التقدم الحقيقي، فسيكون على يد حكومة أفغانية تحمي شعبها، بدلاً من العصابات الإجرامية بإرهابها.

وبكل صراحة الآن، فإن الدولة التي تذهب إلى النوم بعد مشاهدة برنامج «سوق الضحك» لا يتعين أن تتم إدانتها بالنزاع والشقاق الدائم.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»