لماذا مصر؟

TT

حقيقة سؤال محير في هذه الظروف التي تمر بها غزة، ان تختار قيادات في حماس والتيارات المرتبطة بالاخوان المسلمين وحزب الله اللبناني الذي خرج علينا زعيمه بخطابين في يومين متتاليين توجيه السهام الى مصر وكأنها المسؤولة عن المعاناة التي يمر بها سكان غزة، واعتبار ان مفتاح كل الحلول هو فتح معبر رفح سداحا مداحا لمن يريد ان يدخل ويخرج، وكأنه ليس هناك سيادة ولا دولة ولا اتفاقات دولية، او سلطة فلسطينية المفترض ان الاتفاقات ترتبط بها.

وكانت الرسالة التي خرجت من هذه الاوركسترا المنسقة هي دعوات الى انتفاضة ثالثة تحديدا، هي انتفاضة ثالثة لقلب السلطة الفلسطينية في رام الله، اولا ثم دعوات الى انتفاضات وتمرد ونزول الناس الى الشوارع بالملايين لفتح الحدود في مصر، ثم استكملت هذه الدعوة بدعوة اخرى الى انتفاضات بين الشعوب العربية والاسلامية وضغوط على الحكومات لتنقلب المعركة من الضغط على اسرائيل لوقف الهجوم الى معركة داخلية عربية عربية ويا حبذا حروب اهلية. ولو افترضنا انه تمت الاستجابة لكل هذا، لم يحدد لنا العازفون لهذه السيمفونية وماذا بعد ان ينزل الناس الى الشوارع وما الذي تستفيده غزة من تعميم الفوضى والخراب ونقل الصراعات الى العواصم العربية.

وهو ما يعود الى السؤال الاول لماذا مصر؟ وهي هدف لاصحاب هذه الاوركسترا منذ فترة، وحتى قبل الهجوم الاسرائيلي على غزة بفترة طويلة، ويضاف الى هذا السؤال الاستغراب من نصر الله زعيم حزب الله اللبناني والوهم الذي ركب رأسه بانه قادر على توجيه رسائل مباشرة الى المصريين للنزول بالملايين، والجيش في دعوة مبطنة للتمرد، واقول الوهم لان مثل هذا الخطاب يعكس افتقادا للاحساس بالواقع، ولو سأل أي خبير سياسة مدرك لطبيعة المصريين لاجابه بان رد الفعل عليه سيكون عكسيا.

التفسير الوحيد يرتبط بصراع اقليمي اوسع مدى تتشابك فيه الملفات والاجندات الحقيقية، فالقوى الحقيقية التي تحرك الخيوط تقف بعيدا عن لهيب النار، والاطراف المتورطة فيها، لاعبون صغار بدءا من حماس الى حزب الله يتحركون بعد تلقي الاشارات، ومن يدفع الثمن من دمائهم ومعاناتهم اليومية هم الناس العاديون في غزة او كما حدث في لبنان عام 2006 حينما اتخذ حزب الله قرار اشعال الحرب بدون حتى ان يخطر الحكومة او الدولة في لبنان وورط بلدا بأكمله معه.

ونستطيع ان نتهم اسرائيل من هنا الى عام 2100 بكل الاوصاف، لكن من الخطأ ان نتجاهل الاشارة الى من اعطاها العذر لذلك ولماذا قرر الطرف الذي يسيطر على غزة انهاء التهدئة، والعودة الى اطلاق الصواريخ، وهل كان اصحاب القرار في ذلك لديهم حسابات واقعية بردود الفعل وماذا كان يمكنهم التعامل مع رد الفعل والرد عليه بشكل فعال.

من البداية وبتأمل المواقف السياسية نستطيع ان نستنتج انه لم تكن هناك ارادة حقيقية في مصالحة فلسطينية او في الوصول الى حلول سياسية لسبب بسيط هو ان هذا يقطع الطريق على الاستفراد بغزة تمهيدا لتوسيع التجربة ومدها الى الجيران، وقد كانت كل الحلول مطروحة لفتح معبر رفح الذي تربطه اتفاقيات دولية، وكان الحل بسيطا وهو وجود عناصر من شرطة السلطة الفلسطينية عليه، وقد رفض ذلك باستمرار، فالهدف النهائي كان كما يبدو هو هز الاستقرار في مصر، لماذا؟ الاجابة موجودة لدى اللاعبين الاقليميين الذين يحركون العرائس، ولا مانع ان يتفاوضوا هم مع الغرب مستخدمين الاوراق التي يحركونها.