الصورة التي لا نراها

TT

كان أحد أهداف انشاء السي.ان.ان، الى جانب الهدف التجاري، ان تحمل صورة أميركا وسياساتها الى الخارج. وما لبثت الحكومة الاميركية أن أغلقت إذاعة «صوت أميركا» التي بدت بلا أثر ولا جمهور. أمس، بدت السي. ان.ان فضائية ناطقة باسم الفلسطينيين. وباعتبارها قناة أميركية لا عربية، فقد كانت المشاهد التي نقلتها من غزة أكثر تأثيراً و«موضوعية» من أي وسيلة إعلامية أخرى.

في مثل هذه الحالات، يترك الصوت مكانه للصورة، وتترك الكلمة مكانها للصورة. وتصبح ألف قصيدة في محمد عودة لا شيء أمام صورته وهو يرتجف قبل الرصاصة الاخيرة. وأمس كانت الصور التي نقلتها السي ان ان للمباني الملتوية مثل الشجر بعد العاصفة، أوضح دليل على مدى العنف الوحشي الذي لجأت إليه اسرائيل تحت شعارها المعلن وهو تدمير «حماس»، لكن تدمير «حماس» يعني بكل مباشرة وعلانية تدمير غزة، فالفارق لم يعد قائماً بين الاثنين، منذ أن أصبحت «حماس» هي القوة وهي الحكم وهي الادارة في القطاع.

الغرابة في المشاهد المأساوية للقتل الجماعي والدمار الجماعي، هي في المشهد الذي لا يمكن ان نراه: مصالحة بين حماس وفتح حتى برغم كل ما حدث. أين أصبح صلح مكة ومحادثات السنغال ومصالحة اليمن؟ وسط مئات القتلى وآلاف الجرحى وأقسى وأقصى صور الدمار، تسعى «حماس» الى تحميل المسؤولية الى فتح وبعض العالم العربي ان لم يكن كله. والتقصير العربي ليس جديداً ولا هو حالة طارئة. فالعرب عاجزون حتى عن عقد لقاء على مستوى القمة. لكن أليس في ذلك مسؤولية ما لحركة «حماس» التي قدم لها العرب كل ما تطلب ولم تقدم لهم سوى السخرية والرفض؟ أليست هناك اتفاقات وكلمات ووعود تربط حماس وتلزمها، تماماً كما تلزم سواها؟

ليس الوقت وقت البحث عن المسؤوليات. هناك حقيقة واحدة وهي الوحشية الاسرائيلية وأهدافها المعلنة والباقي تفاصيل سياسية. وبرغم فظاعة ما حدث، فإن مسؤولية القيادة الفلسطينية تقتضي البدء في العمل من أجل ما بعد غزة. والمواجهة لا يمكن ان تتم بشعب نصفه في الشتات، ونصفه في الفرقة وبعضه في ظل الحكم الاسرائيلي المطلق. ان المشهد غير المرئي، هو تكراراً المشهد المعيب. قبل أن يطالب الفلسطينيون العرب بالتوحد حول قضيتهم، يجب ان يقدموا النموذج. خصوصاً في ذروة هذه المأساة.