شركة فورد.. وصناعة السيارات الأميركية

TT

يُظهر مقر شركة «فورد»، الذي صممه معماريون من سكيدمور وأوينغز وميريل، الأناقة التي امتزجت بالبساطة في استخدام الحديد والزجاج والتي ميزت الفن المعماري خلال الخمسينات من القرن الماضي، عندما كانت أميركا تقود العالم، حتى أن المباني كانت تبدو انسيابية مراعاة لمتطلبات السرعة. افتتح مبنى «فورد» في 1956، هذا العام الذي شهد ذروة الثقة الأميركية، وبعد عام واحد صدم «سبوتنيك» معتقد الأميركيين في تفوقهم التقني، كما صدم إيدسيل معتقدهم في الرضى عن الذات.

ولكن في الوقت الحالي، يشهد المبنى حالة من القلق الشديد، ومع ذلك، يبدو الرئيس التنفيذي آلان مولالي، الذي يبلغ من العمر 63 عاما، مسرورا بصورة غير طبيعية، على الرغم من توبيخ الكونغرس أخيرا لرؤساء ما يطلق عليها شركات السيارات الثلاث الكبار، ومن بينهم مولاي. استوعبت فورد الإهانات بسبب إخفاقات «ديترويت»، ولم تطلب أموالا مثل التي سعت إليها «جنرال موتورز» و«كرايسلر».

قبل سبعة وعشرين شهرا، جاء مولالي، وربما كان يعتقد أنه تعرض لأسوأ ما يمكن أن يتعرض إليه خلال حياته المهنية، إلى شركة «فورد» قادما من «بوينغ». كان هناك يشرف على تقليل العمالة من 127 ألفاً إلى 52 ألف عامل. ومن أوائل الخطوات التي اتخذها في شركة «فورد»، والتي كانت بمثابة أحد الرهانات الكبرى في تاريخ الأعمال الأميركي، أن اقترض 23.5 مليار دولار، وكان الضمان هو كل أصول شركة «فورد» تقريبا، بما فيها الملكية الفكرية الممثلة في شعار الشركة البيضاوي الأزرق. وفي الوقت الحالي يقول مولالي: «لدى فورد سيولة كافية على المدى القصير»، حتى وإن كانت معدلات المبيعات خلال 2009 أسوأ مما كانت عليه في أكتوبر (تشرين الأول) 2008. وهذا هو السبب وراء عدم طلب «فورد» سيولة من الكونغرس، فهي تطلب فقط إتاحة السيولة إذا وقع ما اسماه «حدث هام في الصناعة».

وبهذا فإنه يعني تقديم «جنرال موتورز» طلبا لإشهار إفلاسها، الأمر الذي يهدد، حسب ما يعتقد، الكثير من مصنعي قطع الغيار في الولايات المتحدة، ويبلغ عددهم 3,000، وهم يستدينون بالفعل 13 مليار دولار من الشركات المحلية الثلاث. وتستخدم فورد 80 في المائة من الموردين الذين تستخدمهم «جنرال موتورز» و«كرايسلر»، كما أن 25 في المائة من الوكلاء البارزين «فورد» لديهم توكيلات من «جنرال موتورز» و«كرايسلر». ولذا يبدو مولالي كجندي جيد أمام الكونغرس وسط نظيريه في «جنرال موتورز» و«كرايسلر»، الذي طلبوا الحصول على أموال حتى لا يشهرا إفلاسهما. ويقول مولالي إن الإفلاس، الذي أصبح شيئا عاديا بالنسبة لشركات الطيران، سيكون أمرا مصيريا إذا ما حدث مع شركة سيارات، فالمسافرون يمكن أن يستخدموا شركة طيران يجري إعادة تنظيمها بسبب إفلاسها لأن تذاكر الطيران ما هي إلا معاملة تجارية قصيرة الأجل، ولكن لا يمكن أن يثق العملاء في أن شركة سيارات في حالة إفلاس سيمكنها الوفاء بضماناتها بعد أعوام.

وعندما كان مولالي في «بوينغ»، حيث كان مسؤولا عن تطوير ما أصبح يطلق عليه طائرات 777 الناجحة للغاية، أحضر فريق «فورد»، الذي تمكن من جعل السيارة توروس أكثر السيارات مبيعا في أميركا على مدى خمسة أعوام، إلى سياتل لإجراء مشاورات. ولكن فقدت توروس بريقها وتوقف إنتاجها في أكتوبر (تشرين الأول) بعد أطاحت بها كامري التابعة لـ«تويوتا».

ولكن، عادت السيارة توروس مرة أخرى ويجري تطويرها في إطار خطط لبناء كل منتجات الشركة على «منصات» أقل، ويشمل ذلك نظم التعليق والدعامات ومجموعة نقل الحركة. وتستخدم الكثير من هذه المنصات في السيارات التي تدر أرباحا مستمرة في الأسواق الأوربية والآسيوية وأسواق أميركا اللاتينية.

وبعد أن قامت شركة «فورد» بتقليل القوة العاملة بها بنسبة 50 في المائة خلال ثلاثة أعوام، ستقوم بحلول فبراير (شباط) بتخفيض تكاليف العاملين الذين يحصلون على رواتب بنسبة 40 في المائة. والأكثر أهمية، أنها تمهد إلى التخلص من قرابة نصف الأسماء التابعة لها والتي كانت تبلغ 76. وبعد أن تخلصت من أستون مارتن، وجاغوار ولاند روفر، يبدو أنها تسعى لبيع فولفو وما تبقى من استثماراتها في مازدا. وقريبا ستتكون الشركة من فورد ولينكولن، وربما، ميركيري، مع توكيلات موحدة (3790 في الوقت الحالي مقارنة بـ4396 قبل ثلاث سنوات). لقد بلغت مبيعات قطاع السيارات في أميركا العام الحالي حوالي 10.5 مليون مقابل 17 مليون في عام 2005، وهي تعد النسبة الأقل لكل فرد منذ الحرب العالمية الثانية.

وليست ثمة احتمالية بأن تكون هناك مبيعات كافية للسيارات الثلاث الأميركية يتقاسموها بطريقة تدر أرباحا مع المصانع التي تنتج سيارات تحمل أسماء أجنبية. لقد ساعدت خطة إنقاذ في عام 1979 شركة كرايسلر على البقاء إلى أن أعلنت أخيرا توقفها لمدة شهر عن إنتاج السيارات، وبالتأكيد لن تستطيع البقاء تقريبا.

وعليه، فإن مهمة قيصر السيارات المفترض سوف تكون الإشراف على تقليص أسماء وتوكيلات جنرال موتورز. وعلى أي حال، فإن أكثر شخص مؤهل لتلك الوظيفة، التي خطط لها بصورة سيئة والتي لا يرغب فيها أحد لديه وظيفة واعدة بدرجة أكبر، هو رئيس تنفيذي لشركة فورد.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»