حماس.. ماذا بعد؟

TT

أكتب الآن وشاشات كل الفضائيات تنقل مشاهد الدمار في غزة، وسط توقعات باجتياح بري وعمليات عسكرية أرضية لا يعلم مداها أو نتيجتها إلا الله، غير أنه من الغريب أنه ولا واحد من قادة حماس ظهر أمام الكاميرا في الأحداث، لقد تركوا الكاميرا للقتلى والمصابين، كما تركوا الميكروفونات لآهات المحتضرين وصرخات الثكالى والأرامل. نزلوا جميعا تحت الأرض بعيدا عن أعين الأعداء والأصدقاء، ولم نسمع منهم كلمة واحدة إلا عندما فتحت مصر معبر رفح للجرحى والمصابين لعلاجهم في مستشفياتها، تكلموا بغير أن نراهم وأعلنوا رفضهم لذلك، ثم لجأوا للعبارات الإنشائية الجميلة يفسرون بها سلوكهم فقالوا، لا بد من فتح المعبر للأحياء وليس للأموات.

الواقع أن مصر مهتمة بالأحياء المصابين في معركة سعت إليها حماس، وذلك عندما قضت على فرص التهدئة وأمطرت جنوب إسرائيل بالصواريخ، التي لا يتعدى مداها العشرين كيلومترا، والتي ينتج عنها إصابات أقل بكثير مما يحدث في حادث مرور. وبمنع سلطة حماس مرور المصابين للعلاج في مصر، أعطتنا الفرصة لنعرف شيئا جديدا عن قادتها وهو أنهم «لا بيرحموا.. ولا بيسيبوا رحمة ربنا تنزل».

الحماسيون يصرخون ليل نهار صرخة واحدة هي: لا بد أن تفتح مصر المعابر، هذه الجملة يتم تصديرها إلى بسطاء الناس في العالم العربي فتشعرهم بالألم وتدفعهم إلى التظاهر حول السفارات المصرية في عدة عواصم. واقع الأمر أن الحدود بين مصر وغزة ليست مغلقة، هي كأي حدود في العالم يعبرها من ترخص له سلطة الدولة بذلك، وبذلك يكون ما تطلبه حماس هو .. إزالة الحدود بين مصر وغزة، هذا هو بالضبط ما تطلبه حماس، إزالة الحدود المصرية الشمالية.

أزعم أنني أفهم، إلى حد كبير، آليات التفكير عند المتطرف وقدراته العالية في تزييف الكلمات الرديئة وطلاءها بمعان إنسانية رفيعة تخدع التعساء المخدوعين. نعم.. ما تطلبه حماس هو إزالة الحدود بين مصر وغزة. والسبب في ذلك هو ذلك الخطأ الشهير، الذي طالما وقعت فيه التنظيمات الفلسطينية الثورية، وهو اعتبار البلاد العربية فلسطينية أصلا، هكذا يرى قادة حماس مصر، أرضا فلسطينية يجب تحريرها من المصريين. بالأمس القريب رأى قادة التنظيمات الفلسطينية الثورية أن الطريق إلى القدس يمر بعمان, ثم يمر بلبنان, وعندما غزت العراق الكويت كان الجنود يعتقدون بأنهم في طريقهم إلى القدس. قادة حماس، لا هم قيادات سياسية تستند في أفعالها للحسابات السياسية التي تهدف منها إلى حماية شعبها، الذي انتخبها لتحكمه، ولا هم قيادات عسكرية قادرة على حماية الناس من هجمات الإسرائيليين. هم فقط مغامرون سياسيون

وقادة لجماعة يحرصون فقط على حماية أفراد هذه الجماعة وليذهب الشعب الفلسطيني إلى الجحيم. وهذا هو ما نجحوا في تحقيقه، وما كان من السهل دائما التنبؤ بحدوثه.

هناك تعبير شهير عند المصريين وهو (عاوز يفتحها على البحرى) وهذا هو بالضبط ما تريده جماعة حماس، فتح الحدود المصرية على البحري بلا ضابط أو رابط، كل من في حاجة حقيقية للعبور من رفح الفلسطينية إلى رفح المصرية يعبرها بالفعل، إلا هؤلاء الذين ترفض حماس خروجهم، وهو ما حدث بالفعل مع حجاج هذا العام. والله.. لم يعرف التاريخ قيادة لأى شعب، حتى لو كانت قوات احتلال وحشي، عرضت شعبها لما يتعرض له أهل غزة الآن، والمسؤولية يتحملها الطرفان، الإسرائيلي وقادة فتح، التي حرمت الشعب الفلسطينى في غزة من حكومة موحدة معترف بها عربيا ودوليا. بكل حسابات الواقع والسياسة لا مستقبل لحماس في فلسطين أو في غيرها.

لقد استشهد ضابط شرطة مصري وهو يدافع عن الحدود المصرية، تم إطلاق النار عليه من أشخاص فلسطينيين اقتحموا الحدود، لقد كان يدافع عن الحدود المصرية على الأرض، وأنا أطلب من زملائي مهما كان موقفهم من قضية السلام والحرب، أن يدافعوا عن الحدود المصرية بما هي فكرة أكثر قداسة بكثير من قضية الحرب والسلام مع إسرائيل. المغامرات السياسية الكاذبة على حدودنا تقتل الشعب الفلسطيني وتدمر بيوته ومنشآته وتقضي على حاضره ومستقبله، وهي أيضا تقتل أكثر المصريين نبلا، وهم شرطة حرس الحدود. هذه هي معركة المفكرين في مصر بأكثر مما هي معركة الشرطة أو العسكرية المصرية.

لا تنشغلوا ذلك الانشغال الفارغ بمسؤول مصري صافح مسؤولا إسرائيليا، ولا تنشغلوا بقتال طواحين الهواء المسماة عدم التطبيع, فكروا أنه في غياب السلام يموت الفلسطينيون والمصريون، علينا أن نحدد هدفنا الأساسي ولا نحيد عنه، لا بد من حكومة فلسطينية موحدة ولتتم آليات ذلك بكل الطرق وأي الطرق، ثم توفير الجو الهادئ للتفاوض وإعلان الدولة الفلسطينية، دولة ديموقراطية تعيش في جيرة طيبة مع جيرانها، وتتفرغ لإعادة الشعب الفلسطيني على خارطة البشر.