إيران تستغل الفظائع في غزة للنيل من مصر

TT

منذ أن وقعت حرب تموز 2006 و«حماس» تدغدغها مشاعر ان تكون نسخة مكررة عن «حزب الله» في غزة.

ما لم يدر في خلد «حماس»، ان «حزب الله» اخذ بلداً كاملاً الى الحرب غير عابئ بالنتائج، وهذا البلد رغم صغره الا انه غير قابع تحت الاحتلال الخارجي، ومناطقه مفتوحة على بعضها استقبلت الذين نزحوا من الجنوب ومن الضاحية، واختار الذين في البقاع الذهاب الى سوريا. ومع ذلك قتل ما يزيد عن 1300 انسان، وجُرح الآلاف ولايزال اقتصاده يعاني ولاتزال الاكثرية والمعارضة تتصارعان على من يقوم بالترميم، واين اصبحت الاموال الطاهرة وتلك غير الطاهرة، لكنها تبقى اموالاً والكل يطالب بها.

قال رئيس الحكومة الفلسطينية المقالة اسماعيل هنية في اليوم الأول للغارات الاسرائيلية على غزة التي حصدت دفعة واحدة 295 قتيلاً، «نحن لسنا طلاب حياة». واندفعت كل الاحزاب الاسلامية المؤيدة لهذا التوجه الى تأييده، لكن ألا يوجد بينهم أب، يسمع انين وعويل وصراخ الثكالى والأيتام في الرابع عشر من شهر كانون الاول/ ديسمبر قال رئيس حركة «حماس» خالد مشعل: «بعد 19 ديسمبر ستنتهي التهدئة ولا تجديد لها. نحن سنتصرف وفق متطلبات الميدان للدفاع عن شعبنا». والفظائع التي ترتكبها اسرائيل بحق اهالي غزة تكشف ان هذا الشعب مكشوف، لا حماية له، وان لغة الخطابات التهديدية التي يقذفنا بها زعماء الاحزاب الاسلامية، لا يسمعها اهالي غزة المنكوبة، ولا تشكل مظلة واقية من الغارات الاسرائيلية.

منذ عدة اسابيع بدأت الحملة على مصر، رفضت «حماس» السماح للحجاج الغزاويين بالسفر الى الحج على اساس ان معبر رفح مغلق. ثم رفضت المشاركة في الدعوة التي وجهتها مصر الى الفصائل الفلسطينية، للسبب نفسه. اعتقدت «حماس»، بأنها تستطيع ان تحرج مصر وتضغط عليها، وكل ذلك جاء بتوجيه من ايران. تريد ايران ان تصبح مصر بالنسبة لـ«حماس»، كما سوريا بالنسبة لـ«حزب الله» في لبنان. أي أن تكون ممراً للسلاح الايراني، وللصواريخ وأيضاً للنفوذ الايراني، فتصبح بذلك ايران قادرة على تطويق الدول العربية كلها وتهديدها عبر قوتين عسكريتين في المنطقة، «حماس» و«حزب الله». مصر التي خاضت حروباً مع اسرائيل من اجل الفلسطينيين، تربطها معاهدة سلام مع اسرائيل وليست في حاجة لرؤية غزة مركزاً للارهاب تهدد به اسرائيل.

«حماس» تتطلع الى ما يقوم به «حزب الله» في لبنان وتقارن. هو قادر ان يطرح شروطه قبل الانتخابات اللبنانية، والفلسطينيون على ابواب انتخابات قريبة. عندما كانت «حماس» في المعارضة كانت تنتقد «فتح». لكن منذ عام 2005 بعد الانسحاب الاسرائيلي، هي المسؤولة الفعلية عن غزة التي غرقت في مستنقع من الأزمات ادى الى بدء فقدان «حماس» لشعبيتها. وعجزت «حماس» عن ان تحقق خرقاً لصالحها في الضفة الغربية حيث السيطرة لـ«فتح».

شعرت، اذا جددت اتفاقية التهدئة مع اسرائيل، وظلت مسؤولة عن غزة بأوضاعها المزرية، بأنها لن تجذب الناخب الفلسطيني. وكان «قرارها الاستراتيجي» بأن تعود قوة مواجهة مع اسرائيل بمضاعفة اطلاق الصواريخ واظهار ان «فتح» تتعاون مع الاسرائيليين.

من وجهة نظر «حماس»، وبسبب فشلها في توفير اقل وابسط مستلزمات الحياة للذين غامروا وصدقوا وانتخبوها، رأت انه من الضروري وقف التهدئة قبل الانتخابات الرئاسية الفلسطينية، فحتى، لو ردت اسرائيل، فان ردها، حسب حسابات «حماس»، لن يكسر قدرات الحركة، وسيدفع الناس للالتفاف حولها واعادة انتخابها... وهي تطلق الصواريخ على اسرائيل، ارفقت ذلك بالادعاء بأن مصر اعطت الضوء الاخضر للجيش الاسرائيلي لعملية محدودة ضد غزة لقلب حكومة «حماس».

ايران خططت للحملة على مصر التي احبطت كل المخططات الايرانية لتحويلها الى ممر للاسلحة والنفوذ الايرانيين الى غزة. وكنا لاحظنا الشهر الماضي كيف بدأت المظاهرات ضد مصر في طهران التي اعطت الاشارة لحلفائها في دمشق ولبنان وغزة للقيام بمظاهرات مماثلة تندد بمصر التي لا تفتح معبر رفح، مع العلم انه رغم الانسحاب الاسرائيلي من غزة، يبقى القطاع تحت الاحتلال وتبقى حدوده مرهونة بالأوامر الاسرائيلية والدولية، وقد رفضت «حماس» الاعتراف بكل الاتفاقات الدولية.

ومراجعة للتحرك الايراني ضد مصر الذي اتخذ من غزة حجة لذلك، نلاحظ شراسة تلك الحملة. ففي الثلاثين من تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، سارت مظاهرة امام وزارة الخارجية الايرانية في طهران شارك فيها طلاب الجامعات وطالبوا من منظمة المؤتمر الاسلامي ادراج بند: «اعدام الخائن مبارك»، في برنامج عملها.

وفي الثامن من الشهر الماضي سارت مظاهرة اخرى امام مكتب المصالح المصرية في طهران دعا فيها الطلاب الايرانيون الى «اعدام الفرعون مبارك»، ودعوا «الاخوان المسلمين» والطلاب في مصر ليتحدوا ويفتحوا معبر رفح. ثم رموا بالقنابل الحارقة على المكتب ورفعوا صوراً من عملية اغتيال السادات عليها عبارة: «هذا عقاب المفاوضين» و«كلنا خالد اسلامبولي». وقال المتظاهرون ان مصر في ظل مبارك متواطئة مع جرائم اسرائيل ورددوا هتافات: «الموت لمبارك»، «العار لمبارك» «الاعدام الثوري لكل مساوم» «اعدموا حسني مبارك» «صمت كل المسلمين خيانة للقرآن» «الحسين، الحسين شعارنا والشهادة فخرنا». وأثنى لاحقاً جواد كريمي قدوسي عضو مجلس الامن القومي ولجنة العلاقات الخارجية على دعوة الطلاب، وخطب فيهم حمد محمدي الناطق باسم مقر «منظمة العالم الاسلامي لاحياء ذكرى الشهداء» ـ المؤسسة التي انتجت فيلم «اغتيال فرعون»، الذي وتر العلاقات اكثر بين مصر وايران ـ قال: «ان مبارك اسوأ الاشرار في زمننا. لمدة 27 سنة، يحكم وحش اسمه مبارك مصر.(...) كيف يمكن تسميته مسلماً، هو يمنع المسلمين من اتباع طريق الله، ان عقوبته الموت. لو كان مبارك حاضراً الآن هنا، فان هؤلاء المتظاهرين ما كانوا ترددوا لحظة واعدموه فوراً».

واضاف: «نرفض الشر بكل اشكاله. ان مبارك هو رأس النظام الصهيوني. والطريقة لتحرير المسلمين من النظام الصهيوني الجائر ومن خدامه، لا تكون عبر اروقة الامم المتحدة، او مقاعد مجلس الامن، او البرلمانات العربية او المؤتمرات الخادعة، الطريقة الوحيدة لفعل ذلك تكون بشاحنات محملة بالمتفجرات يقودها اشخاص مثل شهداء «حزب الله»، احمد قصير، عبد المنعم قصير، صفي الدين، صلاح غندور والشهداء المقدسين الآخرين». وقال صادق شهبازي رئيس حركة الطلبة التي تلاحق العدالة: «نعلن امام قائدنا علي خامنئي (المرشد الاعلى للثورة الاسلامية)، ممثل الامام المنتظر، اننا على استعداد للسير على طريق خالد اسلامبولي، لحظة ما يأمرنا».

وفي اوائل الشهر الماضي، اتهمت الصحف الايرانية «كيهان» و«جمهوري اسلامي» النظام المصري بالخيانة، ودعت الشعب المصري لقلبه. رئيس تحرير «كيهان» حسين شريعتمداري المقرب من خامنئي، كتب في الثاني من الشهر الماضي: «نشعر ونتألم لغياب الشهيد خالد اسلامبولي. يجب ان يتمثل به كثيرون. لو ثار الشعب المصري ضد نظامه، ما تجرأ احد على الوقوف ضده». واستشهد شريعتمداري باستفتاء اجرته فضائية «الجزيرة»، وقال: كشفت «الجزيرة» ان 95% من المشاهدين رأوا ان رأس النظام المصري حسني مبارك يتحمل المسؤولية الاكبر عن مأساة غزة. وتساءل، ماذا كان يفكر الباقون ثم تساءل: «لا احد يتوقع من حسني مبارك الخاضع للصهاينة ان يفتح معبر رفح، لكن هل فقد المسلمون، لا سيما الذين في مصر، شرفهم ومشاعرهم الانسانية انه لأمر غير معقول. ان الشعب المصري المتحضر، لم يرفع اصبعاً يعترض على اغلاق معبر رفح او يحتج على الكارثة الانسانية التي تحدث في غزة. لو ثار الشعب المصري ضد نظامه، لما اعترضه احد، عليه ان يتعلم من الشعوب في ايران، ولبنان وفلسطين، التي وقفت وقاومت. ان غضب المسلمين سيصل آجلاً ام عاجلاً ليقطع رؤوس بعض الحكام العرب».

وفي الثاني من الشهر الماضي كتبت صحيفة «جمهوري اسلامي»: «ان العالم العربي والاسلامي يكون افضل من دون حكامه الخائنين (...) لو يستطيع العرب التعبير عن تمنياتهم الدفينة لاظهروا للاعداء والاصدقاء انهم قادرون على التخلص من الخونة».

وفي السابع من الشهر نفس، وصفت الصحيفة الرئيس المصري بـ«الديكتاتور» و«الفرعون» وقالت: «ان لا قيمة لمبارك عند الشعب المصري، هو في الكرسي بدعم اميركي، ان الحكومات الطاغية عقبة في وجه المبادئ والقيم».

تعمل ايران بقوة لكسب «ورقة غزة» وذلك عبر حملات شرسة ومدروسة ضد الدول العربية، بعد ان دمرت اميركا العراق، اخذت ايران على عاتقها تدمير بقية الدول العربية الاخرى من اجل نشر نفوذها ولا يكلفها ذلك إلا المزايدة والحملات الاعلامية والاعتماد على من تمولهم واشترت ولاءهم. لكن الاوراق صارت مفضوحة. وكما تتصرف الاحزاب الدينية وكأنها اعلى من الدول، كذلك اصدر خامنئي فتوى الى كل المسلمين في العالم «يأمرهم» فيها بالدفاع عن غزة «بأي طريقة ممكنة» وقال: «كل من يقتل وهو يدافع عن الفلسطينيين يعتبر شهيداً».

ان أمن مصر القومي يأتي قبل «حماس» وقبل هنية وقبل مشعل، هؤلاء غامروا رغم ان الثمن الكبير دفعه ابرياء غزة. التخوين لم يعد يخيف احداً، والصراخ لن يجعل مصر ترتعب وتفتح المجال لنفوذ ايراني شره.