معركة رهن القرار 242

TT

يصعب على أي متابع لأسلوب تعامل الحكومة الإسرائيلية مع«حماس» إلا يتساءل عما إذا كانت المواجهة العسكرية الراهنة في قطاع غزة مجرد نتيجة متوقعة لانقضاء مرحلة التهدئة بين الجانبين أم عملية تمهيد انتخابي لتنافس «كديما» و«الليكود» على مقاعد الكنيست في الانتخابات الإسرائيلية المقبلة؟

هل ان ما يجري في قطاع غزة حرب إسرائيلية على «حماس»، أم حرب تتجاوزها إلى أهداف داخلية وإقليمية محددة؟

في كلتا الحالتين غفلت إسرائيل عن أن ما بدأته حربا على «حماس» تحول في نظر العالم العربي الى حرب إبادة للفلسطينيين. واستمراره قد يحول «حماس» الى الممثل القومي ـ إن لم يكن الشرعي ـ الوحيد للفلسطينيين.

ردة فعل حكومة إيهود أولمرت المفرطة في عنفها على صواريخ «حماس» البدائية ـ سواء كانت تندرج في خانة تأكيد جبروت الآلة العسكرية الإسرائيلية أم في خانة تجاوز عقدة حرب لبنان عام 2006 ـ لا يمكن أن تؤسس لواقع جديد في قطاع غزة، كما تأمل وزيرة خارجية إسرائيل، تسيبي ليفني. فقد سبق لإسرائيل أن جربت، بتواطؤ أميركي وصمت أوروبي مريب، عزل «حماس» في أضيق قوقعة ممكنة على الساحة الفلسطينية من دون أن تقدم، بالمقابل، أي «تنازل» سياسي أو جغرافي للسلطة الفلسطينية... فساهمت في تآكل سمعة السلطة الفلسطينية بدون أن تتوصل الى عزل «حماس».

مشكلة إسرائيل أنها تتعامل مع واقعها الشرق أوسطي تعامل الدخيل على المنطقة، ومع الشعب الفلسطيني تعامل المستعمر المصادر لقراره الذاتي فيما آن الأوان لأن تدرك أن الشعب الفلسطيني ، يوم اختار «حماس» بديلا لـ«فتح» في انتخابات شهد العالم أنها كانت حرة وشفافة، اختارها لأن إسرائيل نفسها أسقطت مصداقية «فتح» برفضها«التنازل» لها عن الأراضي المحتلة في حرب 1967 رغم كل السيناريوهات التي وضعت في مؤتمر مدريد واتفاقات اوسلو ومفاوضات كامب ديفيد (برعاية كلينتون) وكل الوساطات المعروفة وغير المعروفة.

صحيح أن قرار أرييل شارون الانسحاب من قطاع غزة كان جريئا ببعده الإسرائيلي الداخلي، وواقعيا في نظرته المستقبلية الى الكيان الصهيوني، ولكن القرار لم يكن خطوة على مسار تطبيق القرار الدولي 242 بل خدمة لمتطلبات إسرائيل الأمنية وهواجسها الديموغرافية، فهو لم يعد الضفة الغربية ولا القدس الشرقية إلى الفلسطينيين فيما حول قطاع غزة إلى سجن فلسطيني كبير.

قد تكون حرب غزة، في إطارها المحلي الضيق، صدام مأزقين يواجهان طريقا مسدودا: مأزق إسرائيل الناجم عن عجزها ترجمة نصرها العسكري على العرب عام 1967 إلى نصر على الفلسطينيين، ومأزق حكومة «حماس» الناجم عن عجزها عن ترجمة نصرها الانتخابي المفاجئ عام 2006 الى حق تمثيل كل الفلسطينيين.

أما إقليميا فإن إسرائيل تدرك من تجاربها السابقة أن محاولاتها كسر إرادة «حماس» بالقوة المجردة تحول «حماس» الى حاملة راية تحرير فلسطين وتحرج موقف كل العرب الموصوفين بالمعتدلين والراغبين بتسوية تفاوضية معها، وتثير نقمة الشارعين العربي والإسلامي عليها.. وأول الغيث على هذا الصعيد كان إعلان وزير الخارجية التركي، علي باباجان، أن الهجوم الجوي الإسرائيلي على قطاع غزة يجعل «من المستحيل» مواصلة مفاوضات السلام غير المباشرة بين إسرائيل وسورية بوساطة أنقرة، وتأكيده أن تركيا علقت «دورها» في هذه المفاوضات.

على خلفية الفعل وردود الفعل على حروبها السابقة، آن لإسرائيل آن تدرك أنها لن تحقق من حربها الراهنة على غزة سوى عكس ما تبتغيه، فكما أدت حرب لبنان عام 2006 الى تعزيز موقع حزب الله في لبنان ستؤدي حرب غزة الى تعزيز شعبية «حماس» بين الفلسطينيين وبالمقابل إلى تقليص شعبية السلطة الفلسطينية واستطرادا، نفوذها.

وإذا استطاعت «حماس» الصمود في وجه الهجمة الإسرائيلية الشرسة فسوف تخرج من الحرب مزودة بوكالة «إسرائيلية» لا منازع فلسطينيا عليها: وكالة تقرير شكل الحكومة الفلسطينية الوطنية (حكومة عموم فلسطين) القادرة، وحدها، على التفاوض على تسوية مقبولة فلسطينيا. .. وبذلك تكون إسرائيل قد رهنت، بحربها العبثية، مصير القرار الدولي 242 بموقف «حماس» منه.