حدث العام

TT

إذا كان من الصعب، والأرجح من المستحيل، ان نعيد النظر في مواقفنا ومشاعرنا ومقاييسنا من أحزاننا، فلنحاول، على الأقل، درس ردود فعلنا البشرية حيال أفراحنا: ما الذي يبعث فينا مشاعر الابتهاج، ما الحدث الذي يدفعنا الى رفع شارة النصر كما رفعها تشرشل بعد ربح الحرب العالمية الثانية، وما هي، خصوصاً سبل التعبير عن الأفراح: الموسيقى؟ الشعر؟ المواكب؟ الأحذية؟

إذ ينتهي العام الغربي وتتذكر كل دولة وأمة أحداثها المهمة، نرى أننا ابتهجنا لحدث واحد وصفقنا لحدث ورفعنا التحية لانتصار واحد: حذاء منتظر الزيدي في مواجهة جورج بوش. لقد اتخذ الحذاء الطائر في العالم العربي صورة الرمز. ليس رمز اليأس والقصور والخمول بل رمز الانتصار والقوة وقهر المحتل.

وقد جمع منتظر الزيدي حوله من جموع الآراء فيما تفرقت المواقف حول كل شيء آخر. وكانت الجماهير بالأمس تهتف لشعارات مثل الوحدة والمعركة فإذا بها تهتف لشجاعة الزيدي. وقد ضمن الزيدي رد الفعل مسبقاً، لإدراكه ما هي صورة بوش، ليس في العالم العربي فقط بل في أنحاء العالم، وخصوصاً في أميركا.

مفجع أن يمر عام كامل على أمة دون أن يكون فيها موضع بهجة واحد سوى ركلة حذاء. لقد ابتهج أحد المصريين لدرجة انه عرض ابنته هدية لرجل لا يعرف عنه شيئاً على الإطلاق سوى حذائه، طائراً. وكان هذا أبلغ تعبير، ليس عن التقدير لمنتظر الزيدي بل عن حال الخواء العربي وسحابة اليأس وانعدام مقاييس الفوز والخسارة على السواء.

هذه حالة نفسية تحتاج الى بحوث طويلة. فلو كان حذاء الزيدي جزءاً من سلسلة مواجهات وانتصارات وإنجازات، لبدا ذلك حقاً عملاً شجاعاً. لكنه بدا مجرد عمل بائس في مشهد طويل من الانقسامات والتراجع والتخلف المدني. فالعالم العربي غائب عن كل مقاييس التقدم في كل العلوم. ونصفه غائب عن مقاييس الكفاية. وأرقام التخلف تتكرر على نحو رتيب دون أن يخجل أحد أو يعترض أحد. لا نسبة الفقر تتغير ولا نسبة الأمية ولا نسبة الإنتاج ولا مستوى العلوم الإنسانية. وفي ظل هذا الخواء الفظيع، لا يعود حذاء منتظر الزيدي مجرد وجهة نظر سياسية تتمتع بتقبل واسع، بل يصل الى حد الابتهاج بنصر عسكري لا تلبث الآلة الوحشية العسكرية الإسرائيلية أن تذكرنا بالفارق في المقاييس.