الاختبار الحقيقي لأوباما الآن

TT

وصف عالم الاجتماع الشهير ماكس ويبر القوة الكاريزمية بأنها «ميزة خاصة لشخصية متفردة، وهي منقبة تجعله مختلفًا عن الأفراد العاديين، حيث يمتلك قوى أو مميزات خارقة أو حتى في الأقل قوى استثنائية». وقد كان بعض مناصري باراك أوباما ينظرون إليه أحيانا على أنه شخصية «متفردة» يحظى بتلك الصفات. وما من شك في أن أوباما يمتلك شخصية كاريزمية منحته كل ذلك الحضور السياسي، ولكن عما قريب ـ 20 يناير (كانون الثاني) 2009 ـ ستبدأ تلك القوى في التحول وسوف تتناول القليل من شخصيته والكثير من إدارته، وسوف يتغير مصطلح السلطة الكاريزمية القيادية إلى السلطة القانونية. وببساطة شديدة، لا يمكن للرؤساء البقاء كرموز كاريزمية، فهم مجبرون على معالجة المشكلات العاجلة، وبحسب الطريقة التي يتعاملون بها مع تلك التحديات إما أن يتعاظم تأثيرهم ـ أو تتضاءل شعبيتهم. وعلى الرغم من إمكانات جورج واشنطن وابراهام لنكولن وفرانكلين روزفلت المثيرة للإعجاب، لكنهم لم يمتلكوا تلك الكاريزما وبنوا شعبيتهم الواسعة عبر التعامل الجيد مع المواقف المختلفة. ومهما كانت الأفكار التي تدور في رأس أوباما عندما بدأ ذلك السباق، في الوقت الذي كانت تحتل فيه الحرب في العراق الأولوية بالنسبة للناخبين الأميركيين، ومهما كانت وعوده الانتخابية، فإن فترة رئاسته سيتم الحكم عليها من خلال الطريقة التي سوف يتعامل بها مع الأزمة الاقتصادية التي تلف الولايات المتحدة والعالم، وسوف يتذكر العالم أوباما على أنه الرئيس العظيم الذي لم يقدم شيئًا أقل من إنفاذ الرأسمالية.

المهمة الأولى التي أعتقد أنها الأصعب بين مهامه، هي إعادة الثقة إلى الأميركيين والعالم بالطبع. وعلى الرغم من حالة الابتهاج والفرح بانتخاب أوباما، لا يزال يسود البلاد تشاؤم كبير يمكن أن تكون له آثار مدمرة على الاقتصاد. فالشركات والأفراد لا يزالون يتوجسون من عمليات الشراء والاقتراض والإقراض التي تعد القلبَ النابض للرأسمالية المعاصرة. وقد تحرك النظام السياسي لإنقاذ صناعة السيارات والمؤسسات المالية، لكن المشكلة الرئيسة التي تتمثل في انعدام الثقة بالنظام المالي لا تزال ماثلة.

الخطوة الثانية هي أن تمنح الأفراد شعورًا بأن النظام المالي مستقر ومتوقع. ويشير سوينسن الذي يعتبر أنجحَ مستثمرٍ في العقود الأخيرة بعد وارين بافت إلى أن ذلك كان خطأ جوهريًا في تصرفات إدارة بوش فيقول: «الأسواق بحاجة إلى الثقة وإمكانية التنبؤ بنتائجها، لكن تصرفات الإدارة زادت من حدة الشكوك والتقلبات. وكانت الإجراءات التي اتخذتها تختلف باختلاف كل مؤسسة، وكانت أسبابها في ذلك غير شفافة. وأدى ذلك كله إلى إحداث حالة من الارتباك وهروب رأس المال، والحل الذي يرجحه سوينسن بسيط ومنهجي، وهو أن تضمن الحكومة كل صناديق أسواق المال، دون حدود قصوى لمدة ستة أشهر، حيث «أن الحكومة الآن لا تسهل تدفق رأس المال الخاص، وإنما تستبدل تدفق رأس المال الخاص، وهو ما لا يحل أي شيء على الإطلاق».

وسوف يجد أوباما الكثير من التحديات الكبيرة أمامه. والأهم بالنسبة له ـ ليس العراق أو باكستان أو الصين أو أفغانستان ـ هو إعادة الثقة والإصلاح إلى أميركا، لكن القول قد يبدو أيسرَ بكثير من التنفيذ، وإذا ما نجح في القيام بذلك فسوف يتساءل الناس عما إذا كان باراك أوباما يمتلك قدرات خارقة.

*خدمة «واشنطن بوست» ـ

خاص بـ«الشرق الأوسط»