زودها!

TT

كم هو حزين ومؤسف الحال الذي وصل إليه خطاب حسن نصر الله السياسي، من فارس المقاومة الذي وجه خطابه لعدو غاشم وحقير، وأبلى بسلاحه وقواته بلاء عظيما نال احترام وتأييد الكثير بإعجاب لا يمكن إنكاره، تحول كل ذلك بعدها الى خطاب محرض ومفرق ومدمر، تحول لخطاب وعتاد يهاجم بني وطنه ويقتلهم، والآن ها هو يوجه خطابه ضد الدولة العربية الأكبر، ويحرض الجيش والشعب المصري لإثارة الفتن والتمرد، كل ذلك يذكرني بمقطع شهير من رائعة كوكب الشرق السيدة أم كلثوم «الأطلال» حين تقول (كان صرحا من خيال.. فهوى). كنت أشاهد خطاب حسن نصر الله وبجواري صديق مصري كان مدهوشا ومذهولا مما يقوله حسن نصر الله بحق بلاده، وكانت تعليقاته تتفاوت ما بين «إيه اللي بيقوله الجدع ده ؟» الى جمل أكثر انفعالا مثل «حد يعقله» و«إيه الكلام الفاضي ده»، ولكن لم يكن من الممكن انكار الغضب في صوت الرجل الذي كان يفكر بصوت عالي بينه وبين نفسه حين قال: «ده عايز يقلب البلد ويدمرها، زي ما جماعته بيعملوا في العراق.. عايزين يعملوا في مصر». أسئلة تطرح نفسها ما الذي يقوم بعمله حسن نصر الله ولصالح من هذا الخطاب التفريقي والتحريضي العنيف؟ كان من المضحك المبكي استخدام حسن نصر الله في خطابه لجملة «دعوني أسمي الأشياء بأسمائها» فهل فعل الرجل ذلك؟ لا أظن أبدا، فتسمية الأشياء بأسمائها تقتضي أن يسرد التاريخ الأسود للحكومات وأجهزة الاستخبارات التي كانت توجه الفصائل الفلسطينية المتمردة مثل: أبو نضال وأبو موسى وأبو العباس لتمارس أعتى عمليات الاغتيالات بين الفلسطينيين أنفسهم مساهمة في تدمير القضية وتشتيت فرص التركيز لتحقيق أفضل الحلول. حسن نصر الله لم يعد نفس الشخصية المؤثرة التي كانت قبل 2006، وأخطاؤه «البشرية» تفصل تماما بين واقعه الإنساني وبين الانتصارات «الإلهية» وغيرها. هو لا يزال لديه القناعة الكبرى والاعتقاد المؤكد بأنه القوة الأكثر تأثيرا في المنطقة، وأنه بإمكانه أن يحدث ويفعل التغيير على الأرض، إلا أن الواقع بات صادما له، حتى وسط طائفته وهو يصيح ليؤكد اختياره ولاية الفقيه كخط ديني وسياسي، فهو يختار خطا لا توافق عليه أهم مرجعيات الشيعة في العالم وعلى رأسهم السيستاني ومنتظري وغيرهم ولهم في ذلك آراء حادة في هذه المسألة ويعتبرونها بدعة دخيلة ولا أساس لها. ليست مصر هي العدو حتى يسلط حسن نصر الله غضبه عليها ويتناسى من يشاء أن يتناسى. مصر ساهمت في إعادة غزة وبعض مدن الضفة وتساهم في تحسين العلاقات الفلسطينية بشكل مركز على عكس غيرها من الدول التي لا يرغب حسن نصر الله حتى في التطرق إليها عملا بمبدأ «تسمية الأمور بأسمائها»، منذ 2006. وخطاب حسن نصر الله يفرق ولا يجمع، يخون ولا يطمئن، وهي جميعا عناصر تدمير وتخريب في منطقة بحاجة ماسة للأمان. مصر ليست هي العدو يا سيد حسن نصر الله، وخطابك الأخير لم يثر الحماس والدعم، بل أثار الغضب والشفقة. الإفلاس السياسي له أشكال مختلفة والمواقف الأخيرة لزعيم حزب الله تدخل في هذه الخانة بامتياز.

[email protected]