قوة النهج المحافظ العاطفي

TT

يعدّ قدوم باراك أوباما إلى السلطة، كافيا لانتهاء إجازات سعادة معظم الليبراليين، عندما بدا أنه سوف ينتهج بعضا من سياسات بوش الخاصة بالاقتصاد والأمن القومي، لكن بعض المحافظين يشعرون بأنهم مجبرون على الاحتفال بالموسم من خلال إظهار بهجتهم بعيد الميلاد وتهنئة جورج دبليو بوش.

لقد قرأت ما كتبه جون أو سوليفان في طبعة صدرت حديثًا من «ناشيونال ريفيو»، فبعد اتهامه للآخرين ـ وذكر اسمي تحديدا ـ بـ«الانحدار الأخلاقي» و«العدائية المباشرة»، فإنه يكون بذلك قد أكّد على انحداره هو وعدائيته ضد النهج المحافظ العاطفي لبوش. ويتلخص نقاش أو سوليفان في الآتي: أن عبارة تعاطف النهج المحافظ، عبارة فضفاضة لأن «تخفيف الفقر وتحسين أحوال المواطنين كانت شعار كل من يتبع النهج المحافظ منذ إدموند بيرك». ولأن تلك الطريقة إنما هي «نمط رومانسي من الإحساس»، وغير قادرة على تحديد الأولويات، الأمر الذي يجعلها تتسبب في تبديد الأموال والنوايا الحسنة في الهواء.

كان هناك على الدوام، تقليد محافظ محترم يتمثل في تعديل أو استبدال كلمة «النهج المحافظ». وقد رأينا في عصور سابقة ظهور مفاهيم جديدة مثل النهج المحافظ التقدمي ونهج المحافظين الجدد والنهج المحافظ للعظمة الوطنية. ومن الواضح أن هناك سببا لكل ذلك، لأنه لم يظهر «كل» نهج محافظ اهتماما مساويا لـ«حالة الأفراد». وهذا النهج المحافظ العاطفي ليست النهج المحافظ الذي يدافع عن الاسترقاق والذي أسسها جون كالهون الذي وجد ـ بصورة ما ـ التعذيب والاغتصاب والعمالة المسروقة، جزءا أصيلاً في السياق الطبيعي، كما أنه ليس النهج المحافظ الانعزالي الذي ساد قبيل الحرب العالمية الثانية، والذي ترك بريطانيا تواجه قوى الشر بمفردها، كما أنه ليس النهج المحافظ الساعي إلى الفصل، والذي يدافع عن تقليد إذلال الجيران. فمثل هذه الأنواع تمثل العداء الحق.

الطرح الثاني ـ بأن النهج المحافظ المتعاطف مشعث وغير منظم ـ هو طرح قابل للاختبار. وقد ركزت إدارة الرئيس بوش خلال السنوات الماضية على إصلاح المدارس العامة لجعلها ناجحة مع نسبة قليلة من الطلاب (مع نتائج عامة مشجعة) وصرف مبالغ أدوية الرعاية الصحية لأصحاب الدخول الضعيفة (بأسعار مخفضة أكثر مما توقع العديدون)، وكذلك توزيع الأدوية المنقذة للحياة لآلاف الأفريقيين الذين يواجهون الموت وتشجيع العمل الاجتماعي المبني على الإيمان بالنسبة للمدمنين وأطفال الشوارع. لا يوجد حل قانوني كامل أو تام، لكن أي تلك الأولويات التي سيقوم محافظو أو سوليفان باستثنائها من القائمة؟

ولكي نكون بعيدين عن الغموض والرقة الشديدة، يتمتع النهج المحافظ المتعاطف بتعريف محدد، إذ يشير إلى أن تحقيق المصلحة العامة هدف أخلاقي، ويؤكد أن هذا الهدف يمكن تحقيقه من خلال عائلات متماسكة وجماعات المتطوعين والمجتمعات التي تستحق احتراما قانونيا، لكنه يقبل في ذات الوقت أنه في حالة سقوط المؤسسات المحلية ـ عندما تتم خيانة الطفل من قبل نظام مدرسي فاشل، وتمرير قانون جيم كرو وعجز الدولة عن التعامل مع أمراض معروفة يمكن علاجها ـ تقع على عاتق الحكومة الفيدرالية مسؤولية التدخل، ومثل تلك التدخلات تكون أكثر نجاعة إذا ما أسهمت في تعزيز دور الفرد والمجتمع، بدلاً من تمركز السلطة البيروقراطية، لكن إذا لم يتوافر ذلك فإن من الأفضل إقحام الجيش لدمج المدارس عرقيا في ليتل روك.

ويتطلب ذلك نقدا للنهج المحافظ التحرري والتقليدي. فالتقليد دائما ما يحتوي على كنوز من الحكمة المخفية، غير أنه في غياب رؤية أخلاقية يمكن أن يصبح مستبدا وبعيدا عن الواقع. وتعد السوق الحرة أفضل الوسائل لتوزيع البضائع والخدمات ـ لكن فوزها لا يماثل على الدوام العدالة. كما أن النهج المحافظ ضروري ـ لكنه غير كامل.

والالتزام الأخلاقي الذي يؤكد النهج المحافظ المتعاطف لن ينتهي برحيل شخصية سياسية أو حزب أو أيديولوجية، لأن تلك المعتقدات تقف كحكم أبدي لكل تلك الأيديولوجيات بما فيها النهج المحافظ. ومهما بذلت من جهد، فلن تتمكن من دفن ما لا يمكن أن يموت.

* خدمة «واشنطن بوست»

(خاص بـ«الشرق الأوسط»)