تدمير ما بناه اتحاد عمال السيارات المتحدين

TT

في عام 1949، تم نشر كتيب أوضح أنه يتعين على صناعة السيارات الأميركية انتهاج اتجاه مختلف. وأوضح الكتيب، الذي تمت تسميته «سيارة صغيرة تسمى الرغبة» ضرورة ألا تضع ديترويت رهاناتها على الحجم، وأن قدرا كبيرا من المستهلكين الأميركيين سيرحبون بالسيارات الصغيرة الأقل تكلفة، ويمتاز حرق الوقود فيها بقدر كبير من الفعالية، مما يدل على أنها موفرة في استهلاك الوقود. وكان اتحاد عمال السيارات المتحدين والمعروف اختصارا بـUAW هو من أصدر هذا الكتيب.

وبمعايير ما بعد الحرب بالنسبة لاتحاد عمال السيارات المتحدين، لم يكن هناك أي شيء استثنائي بشأن «سيارة صغيرة تسمى الرغبة». ففي أيام المجد ـ تحت زعامة والتر روثر ـ كان اتحاد عمال السيارات المتحدين أكثر مؤسسة بعدا للنظر ـ وليس فقط أكثر اتحاد بعدا للنظر ـ في أميركا. وقال روثر للوفود بمؤتمر الاتحاد عام 1947، عندما فاز مؤيدوه بسلطة الاتحاد الأكثر بروزا في الدولة فعليا: «نحن مهندسو المستقبل الأميركي».

وحتى قبل أن يصبح رئيسا للاتحاد، كان روثر وفريق من المساعدين المتألقين، سيواجهون ضعف مديري أكبر ثلاث شركات لصناعة السيارات في أميركا، عن طريق تقديم سلسلة متواصلة من المقترحات المتعلقة بالإدارة. وفي أعقاب كارثة بيرل هاربور، برز روثر ـ والذي كان وقتها رئيس قسم جنرال موتورز داخل الاتحاد ـ بخطة مفصلة لتحويل مصانع السيارات إلى مصانع للصناعات الدفاعية العسكرية بأسرع مما فعل قادة الصناعة. وبنهاية الحرب، تزعم إضرابا في جنرال موتورز معلنا عن بعض المطالب: منها ضم الاتحاد والممثلين العموميين بمجلس إدارة جنرال موتورز.

واتضح بعد ذلك أن هذا المطلب بعيد المنال. وبدلاً من ذلك، ومع بداية الخمسينات، كفل اتحاد عمال السيارات المتحدين عددا من الأفكار الابتكارية التعاقدية ـ منها على سبيل المثال، تعديلات سنوية بتكلفة المعيشة ـ أرست بدورها نموذجا للبقية الباقية من الصناعة الأميركية، كما حققت أيضا نوعا من الرفاهية الكبيرة التي تمتعت بها البلاد على مدار الثلاثين عاما التي أعقبت الحرب العالمية الثانية.

ومع ذلك لم يتوقف المهندسون عند هذا الحد، فخلال سنوات تولي روثر، استغل الاتحاد مصادره أيضا لاحتضان وتطوير كل حركة تحررية نشطة داخل أميركا. وكان الاتحاد نفسه أيضا هو الذي مول مسيرة مارس الكبرى عام 1963 بواشنطن، ووفر أول دعم مالي بالغ الأهمية لاتحاد عاملي المزارع الصغار الذي أسسه سيزار شافيز. واهتم الاتحاد بصورة كبيرة بميلاد حركة الطلاب في بداية الستينات، وقدم مركز المؤتمرات الخاص به في بورت هورتون، بولاية ميتشيغان إلى مجموعة يُطلق عليها «طلاب من أجل مجتمع ديمقراطي»، وذلك عندما أرادت تلك الجماعة صياغة ومناقشة بيانها الرسمي. وفي وقت لاحق من ذلك العقد، وفر الاتحاد موارد لمساعدة المنظمة القومية للمرأة في الحصول على قاعدة لها، وساعدت أيضًا في تمويل أول يوم للأرض.

فهل يعتبر اتحاد عمال السيارات المتحدين ضيقا ومحدود أفق التفكير؟ إن اتحاد عمال السيارات المتحدين ليس فقط هو الذي صنع الطبقة المتوسطة الأميركية، لكنه ساعد أيضا في توليد كل حركة تقبع هذه الأيام في قلب الليبرالية الأميركية ـ وهذا أحد الأسباب التي جعلت المحافظين دوما يزدرون الاتحاد على وجه الخصوص.

ويشكو الجمهوريون من أن تكاليف العمالة لدى العمالقة الثلاثة في صناعة السيارات الأميركية خارجة عن المألوف، مقارنة بمصانع التجميع غير التابعة للاتحاد في الجنوب، وهي المصانع التي يقدم إليها حكام الولايات الجنوبية إعانات مالية قوامها مليارات الدولارات من أموال دافعي الضرائب. ومع ذلك، وافق الاتحاد فعليا على بعض التنازلات المتعلقة بتخفيض أجور الأفراد إلى مستويات قريبة من تلك التي بالجنوب، فضلاً عن أن تكاليف العمل تشكل فعليًا أقل من 10 في المائة من تكلفة السيارة الجديدة. (جدير بالذكر، أنه في وول ستريت، كانت مكافآت الموظفين في أكبر 7 شركات مالية عام 2007 تمثل 60 في المائة من نفقات الشركة، ومع ذلك لم يكن تخفيض قيمة التعويض الإجمالي، الذي يحصل عليه الموظف ضمن قضية خطة الإنقاذ المالي).

وبنظرة محدودة، فإن ما يقترحه المحافظون سيتلف فعليا منافع ما يقارب مليون متقاعد. وبنظرة أوسع للأمور، فإنهم يريدون تدمير المؤسسة، التي أبلت بلاء حسنا أكثر من أي مؤسسة أخرى في رفع مستوى المعيشة الأميركي، ويرغبون في القيام بذلك باستخدام سلطة الحكومة لتخفيض مستوى المعيشة الأميركي ـ في غمار أسوأ ركود منذ الثلاثينات.

إن العاملين بصناعة السيارات يستحقون أفضل من ذلك، وكذلك الدولة التي صنعوا الكثير من أجل بنائها.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ (خاص بـ«الشرق الأوسط»)