إذن لا بد من التواضع أمام المعرفة!

TT

تلقيت خطابات كثيرة من أساتذة، ومن باحثين، وما لا عدد لهم من القراء طوال حياتي الأدبية. ولكن هناك رسائل جميلة بديعة. ولم أكن أتوقعها.

خطاب من طه حسين يلفت نظري إلى أن أتواضع ـ فالذي أعلمه قليل والذي لا أعلمه كثير جدا. أي أنه يجب ألا أقول.. إنني على صواب وأنت غلطان.. وكانت عبارة طه حسين في غاية الرقة!

وخطاب من أستاذي العقاد يقول فيه: يا مولانا إن الواحد كالذي يقف أمام القاضي ويقسم: أن أقول الحق ولا شيء غيره، فصحيح. ولكن (كل الحق) ليس صحيحا. ولا أحد يعرف كل الحق. الله فقط هو الذي يعرف كل الحق!

أي أن أتواضع مرة أخرى. وأدهشني جدا أن يرى طه حسين والعقاد معا أنني لست متواضعا. وأعود إلى ما كنت عليه وأنا شاب صغير. فأجد أن عبارتي شديدة الحماسة وتقطع بأنني أعرف وأنني على صواب وحدي!

أما أرق رسالة تلقيتها وأنا طالب فهي من الأب أنستاس ماري الكرملي (1866 ـ 1947) وهو أحد رجال الدين العراقيين، فكان يكتب في مجلتي «الرسالة» و«الثقافة».. وكانت غاية في الرقة واللطف والعلم. وأدهشني أن يظن أنني كاتب كبير أو باحث مثله.. ولم أكن إلا طالبا قرأ مقالا له فكتبت تعليقا مخالفا لرأيه.. فجاءتني منه رسالة يناقش فيها ما كتبت في غاية اللطف والرقة والتواضع.. وأنه يختلف معي في الرأي. واختلافه في الرأي جاء في غاية الأدب.. كأنه يعتذر لي عن أنه لا يستطيع أن يكون من رأيي عن القديس أوغسطين في الديانة المسيحية!

إذن لا بد أن أتواضع أمام الذي لا أعرفه و ما أكثره وأعمقه وأبعده!