حرب الحروب

TT

حرب غزة ليست حرب غزة وحدها تماماً، كما ان حرب العراق ليست حرب العراق وحده، وتماماً كما ان حرب لبنان لم تكن حرب لبنان وحده. الفارق الوحيد في غزة هو ان الوحش الاسرائيلي أسال من الدماء ما غطى كل شيء آخر وكل رؤية اخرى. لكن غزة التقاء تناقضات في ساحة واحدة وتصادم قوى كثيرة ذات سياسات مختلفة وتالياً غايات مختلفة. والدور الايراني هو الاكثر تحركاً وإن كان الأقل ظهوراً. ايران تلعب اوراقها في العالم العربي المقيَّد بالتزاماته الدولية من اجل ان تحاول الإفلات من اي التزامات دولية مقبلة، وتركيا عادت الى العالم العربي بعدما تجاهلته، بكل غضب، منذ نهاية العهد العثماني، لأن لعب دور الوسيط السلمي عندنا يفتح امامها باب الدخول الى الوحدة الاوروبية. وبكل بساطة تريد تركيا ان تقول لأوروبا والغرب، ما من احد سواي قادر على ضبط الاستقرار في المنطقة لأنني القوة الاسلامية الوحيدة التي تمون على اسرائيل، والدولة الاسلامية الكبرى التي لها مصالح عسكرية مباشرة مع اسرائيل.

ويجب ألا ننسى ان تركيا الاسلامية لم تخفض شيئاً من التزاماتها مع اميركا ـ برغم عدم السماح لها باستخدام قاعدة ديار خلال ضرب العراق ـ ولا غيرت شيئاً في جوهر علاقتها مع اسرائيل. وهذا ما يمكنها من ان تلعب دور الوسيط بين دمشق وتل ابيب.

كل فريق يريد من غزة شيئاً ما. وكل فريق يرى غزة عقدة ضمن عقد لا مسألة منفردة. والجرح لا يؤلم إلا في موضعه، مهما صدقت النوايا. والعالم العربي اذا لم يتحرك وقع واذا تحرك وقع. فهو يؤيد سلطة رسمية في رام الله وصلت الى هناك خلف ياسر عرفات وضمن منظمة التحرير. ويرى أمامه في غزة قوى وحيدة لا تعترف بالسلطة ولا بالمنظمة ولا بما وقعتا من معاهدات او التزامات. وترفض حماس ان تصغي او ان تحاور الجانب الآخر من غزة، اي مصر. ومصر تصرّ كدولة على احترام التزاماتها بالسلطة، لكن السلطة في رام الله، والرئيس محمود عباس يحصي الايام الاخيرة من ولايته قبل ان تسقط رام الله ايضاً في فوضى الخلافة، سواء كان هو من يخلف نفسه ام لا. ومثل هذه الحالة لا تزعج ايران ولا تقلقها. فهي تبشر بزوال اسرائيل القريب واسرائيل محاطة بعالم عربي وبنهر من الدماء اسمه غزة.