هل أصبح هتاف «بالروح.. بالدم» نشيدنا الجنائزي؟!

TT

في كل مرة أسمع فيها الغوغاء تعزف نشيدها الجنائزي: «بالروح.. بالدم»، أشعر أن ثمة كارثة في طريقها للحدوث، فذلك الهتاف الذي ينتشي له البعض؛ فيرقصون على أنغامه رقصاتهم الأخيرة، غدا نذير شؤم لكل من يُطلَق من أجله، حتى إن الذاكرة لم تزل تحتفظ بصورة أولئك الرجال، أصحاب الأوردة النافرة، والعيون الجاحظة، والحناجر المشروخة، وهم يرفعون عقيرتهم بالهتاف قبل يوم من سقوط بغداد، مرددين: «بالروح.. بالدم.. نفديك يا صدام»، ليتهاوى في اليوم التالي كل شيء، وتتعالى هتافات مغايرة لا صلة لها بما كان يُهتف به بالأمس، وقد لعق أصحاب تلك الحناجر المبحوحة صيحاتهم، واحتفظوا بدمائهم وأرواحهم، ومضى صدام وحيدًا إلى المشنقة! فهل غدونا حقًّا مجرد ظاهرة صوتية لا نملك سوى حناجرنا، وقدرات بلاغية تحول هزائمنا إلى انتصارات، رغم فداحة الخسائر؟!.

إن مع عمرو موسى، الأمين العام للجامعة العربية، كل الحقّ حينما قال في اجتماع وزراء الخارجية العرب قبل أيام: «إن إسرائيل عرفت دية العرب، فمضت في قتلهم بعد تجويعهم»، فقتلى العرب لا بواكي عليهم، ولا طلاب ثأر، وإسرائيل لم تدفع قط أثمان عدوانها على العرب، بل هي في كل مرة تحصد المزيد من المكاسب، خصوصًا حينما ينطلق عقب كل عدوان مناضلو الفضائيات ليوسعوا شروخ الأمة بالتخوين، والتحريض، وتوزيع الاتهامات، وتهييج الشارع، فتتبعثر بوصلة الغضب بين الأشقاء، وينجو العدو.

في العدوان الإسرائيلي الغاشم الآثم على غزة هذه الأيام تتكرر كل السيناريوهات المعتادة في أزماتنا العربية، التي تبدأ بـ «الروح والدم»، وتنتهي بالتخوين، وحفلات «الردح» الفضائية. فما أشبه الليلة بالبارحة، والجميع يدّعي وصلا بليلى.

عقلاء الأمة وحدهم هم الذين يخلصون النصيحة، وسعود الفيصل كان أحد هؤلاء حينما قال: «لا خير فينا إذا لم نقُلها، ولا خير في الأشقاء الفلسطينيين إذا لم يسمعوها.

إن هذه المجزرة الرهيبة ما كانت لتقع لو كان الشعب الفلسطيني يقف موحَّدًا خلف قيادة واحدة، ينطلق من منطلق واحد، وينطق بصوت واحد». هذا الصوت العاقل، الشجاع الأمين، هو ما يحتاج الفلسطينيون إلى سماعه في هذه الظروف القاهرة، ولتصمت كل المعزوفات المفرَّغة من الصدق.

[email protected]