الصوت والصمت في مواجهة العدو

TT

ألفان وخمسمائة قتيل وجريح فلسطيني وقت كتابة هذا المقال في غزة. وقف الهجوم وتقديم المساعدات الإنسانية العاجلة مطلبان ملحان لا يمكن لأي إنسان في أي مكان أن يرى ما هو أولى منهما مع استمرار الهجوم الوحشي على غزة. هذا المطلبان مستمران باستمرار الهجوم الوحشي المدمر، وبتزايد أعداد الضحايا والأبرياء. وخارج ساحة الهجوم الهمجي هذا، فإن هذا الهجوم على غزة بين حقائق وخلق معطيات جديدة:

عمقت هذه الحرب الخلافات الفلسطينية ـ الفلسطينية، ورافقها اتهامات من حماس بالتخوين والتآمر، بل والضلوع بشكل غير مباشر بالهجوم على غزة من قبل فتح لإقصائها عن القطاع والسيطرة عليه. حماس رفضت أية دعوة للحوار مع فتح، وزادت بذلك من مأزق الساحة الفلسطينية وتمزقها.

كما قسم هذا الهجوم العرب إلى فريقين: فريق يمكن أن نقول عنه بالفريق الصوتي، وفريق آخر هو الفريق الصمتي. فعلى الرغم من أن العرب جميعا أدانوا واستنكروا وشجبوا بلا هوادة، إلا أن الفريق الصوتي يمارس النضال الصوتي بكل شراسة وقوة، وتزامنت مع الظاهرة الصوتية العربية في النضال المزايدة على الفريق الآخر ومطالبته بالمشاركة في الحرب نجدة لغزة وتحريض الشعوب التي تعيش في الخندق الصمتي بالثورة على أوضاعها، والتوجه نحو غزة مباشرة من دون الاكتراث بأية إجراءات قد تتخذ ضدهم من قبل حكومات الصمت، مع أن غالبية الفريق الصوتي يمتلكون الحدود وعلى خطوط المواجهة وأقرب إلى جبهات القتال من الفريق الصمتي، لكنهم يأمرون خندق الصمت بالبر، وينسون أنفسهم.

من تداعيات الأزمة أن فريق الصوت يكسب الجولة مستندا إلى الثقافة الصوتية، التي تراكمت عبر ممارستها طيلة قرون، ولذلك فإنه في عيون البعيدين عن المواجهة يبدو الأكثر اكتراثا للمأساة، لا بل إن شدة الصوت توحي لبعض البلهاء والسذج أن فريق الصوت مشارك حقيقي في القتال، بل يهيأ لهم أنه على الخط الأول في الدفاع عن غزة. وبرأيي أن فريق الصمت ـ وبالذات في مصر ـ قد خسر المعركة الإعلامية في مواجهة فريق الصوت، الذي غالبا ما يسكب المعارك التي لا يستخدم فيها سوى سلاح الصوت.

الملاحظ أن فريق الصوت أحرص وأكثر حماسا هذه المرة على ضرورة عقد مؤتمر للقمة العربية. كان فريق الصوت سابقا يستهزئ من القمم العربية، ولا يرى فائدة من ورائها.

وقد أشار أحد قادة فريق الصوت ـ حسن نصر الله ـ إلى وسيلة إعلام بعينها ـ وهي قناة العربية ـ لم تعجبه في تغطيتها لأحداث غزة. كان الأحرى بنصر الله أن يشاهد المنار أو أن يتابع التلفزيون العبري من باب «اعرف عدوك». كان نصر الله قد طالب المصريين بالثورة على حكومتهم التي كال لها التهم والاتهامات. دعوة نصر الله تنم عن جهل بطبيعة الشعب المصري، الذي سيتمسك بنظامه أكثر من ذي قبل، لأن ربطا سينشأ بين من يتحرك ضد نظامه اليوم وبين إيران، التي أعلن نصر الله ولاءه لوليها الفقيه وتبعيته لها.

لعل بعض الواهمين قد عادوا إلى رشدهم في ظنهم أن إيران ستطلق صواريخها البعيدة المدى على إسرائيل إنقاذا للفلسطينيين، فهي لم تطلقها تضامنا مع لبنان عام 2006، ولم ولن تفتح سوريا حدودها على هضبة الجولان، التزاما لقرار وقف إطلاق النار عام 1973، تماما مثلما تلتزم مصر بوقف الحرب مع إسرائيل ترجمة لاتفاقيات كامب ديفيد.

ظهرت تركيا على الساحة كلاعب جديد في معادلة موازين القوى في المنطقة، وظهور تركيا مؤشر على دور مستقبلي أكبر، ودليل على عجز فريقي الصمت والصوت العربيين.

الصوت والصمت سيان في ساحة المعركة، فكلاهما لم يسقط طائرة، ولم يفتح جبهة، «فلا صوت يعلو فوق صمت المعركة».