تصحيح الخطأ في حق أهل غزة

TT

هناك فارق جليّ بين مليون ونصف إنسان هم أهل قطاع غزة، وبين بضع مئات يمثلون قيادات وناشطين في صفوف حركة حماس. ومهما كان الاختلاف مع الحركة فإن غزة ليست حماس، ولا ينبغي ان ينظر الى القطاع على انه من ممتلكات حماس ولا أهلها من عسكرها، فيعاقبون بعقاب الحركة.

وما حدث خلال الاشهر الماضية خطأ كبير عندما جرى الخلط بين الحركة والناس، بمقاطعة حماس وغزة معا. ما معنى ان تمنع شحنات الأغذية والأدوية، وحتى البضائع الكمالية والترفيهية التي لا قيمة عسكرية لها ؟ او حتى قفلُ معبرٍ لخلافات إدارية وسياسية؟

الجمع بين الطحين والصواريخ في قائمة المحظورات تسبّب عمليا في كارثة انسانية بطيئة، حتى قبل ان تشرع اسرائيل في إكمال المأساة بهجومها الوحشي. واليوم بعد ان بلغت المأساة ذروتها يستدعي الأمر من الاطراف العربية الكبيرة ان ترفض المقاطعة الجماعية التي هي اصلا محرمة في القانون الدولي لأنها تؤذي المدنيين اكثر من المنخرطين في الحرب، الذين يعيشون على نظام تمويلي يؤمن لهم حاجاتهم اليومية المعيشية والتطبيبية.

بالنسبة للذين يريدون فرض عقوبات على حماس من اجل الضغط على الحركة حتى تقدم تنازلات، تجنبا للمواجهة العسكرية التي تمثل دائما الخيار الأسوأ، فإن العيب الخطير في مشروع العقوبات الاقتصادية انه بالنسبة لحماس، وغيرها من الانظمة العربية، انها تفضل التضحية بكل الشعب على ان تقدم تنازلا واحدا ينتقص من هيبتها او سلطاتها. وقد شهدنا على العديد من هذا النوع من المقاطعات الفاشلة لانها لم تضر قط النظام، بل آلمت دائما الناس العاديين. ففي غزة القطاع، لا المدينة وحدها، لم يعد يعمل سوى خمسة وعشرين مخبزا فيضطر الناس الى الوقوف في طوابير طويلة لساعات في أجواء غير آمنة، هذا بالنسبة للمحظوظين ممن يسكنون بالقرب من المخابز، أما البقية فإنها تحج لشراء رغيف اليوم، او تعيش على الاغذية المعلبة ان وجدت.

هل إيصال الناس الى مثل هذا الوضع المزري يمكن ان يرغم حماس على الانخراط في العمل السياسي او وقف الصواريخ الكرتونية على سديروت وغيرها ؟ قطعا لا، فاسماعيل هنية، زعيم حماس في غزة، قالها بلا تردد، انه حتى لو أفنى العدو غزة فلن يقبل بالتنازل. هنا يصبح ممارسو المقاطعة أيضا لا يبالون لو أفنيت غزة، أي انهم مثل هنية يسترخصون حياة الناس ويعبثون بها في لعبة سياسية.

حقيقة لا يوجد حل عملي يضمن تصحيح الوضع السياسي في غزة، سواء بالقصف او المقاطعة، وهذا العجز يفترض ألا يدفع مهندسي السياسة الى الجانب الأضعف، أي استهداف الناس.

وتجارب المقاطعة أثبتت في الماضي عدم فعاليتها، وهذا ما نراه في غزة، مما يحتم على الاطراف العربية تفهم طبيعة المشكلة والسعي لتجنيب الناس الأذى. الحل أولا في ضرورة فتح المعابر بلا شرط، وبشكل مستمر أمام البضائع الغذائية والدوائية، بل أمام كل البضائع التي لا اغراض عسكرية لها. فقد آن الآوان لتصحيح الاخطاء التي ما كان يفترض القبول بها، وأنا لا اقلل من تعقيدات الوضع مثل وجود اتفاقيات، ومراقبين مفروضين، وطرف اسرائيلي، مع هذا ينبغي الاصرار على الفصل بين حاجات الناس الاساسية، وحاجات حماس وعدم الخلط بينهما.

[email protected]