لا جديد في غزة

TT

طالما ارتبط تاريخ غزة بتاريخ مصر. فوق الارض وتحت الارض. وكانت اسرائيل كلما ارادت ان تحرج مصر، أقدمت على ضرب غزة. لأن اسرائيل تعرف ان كرامة مصر سوف تثور من اجل غزة التي في جوارها. العام 1955 بدأت مرحلة جديدة من التاريخ تكتب عندما قامت اسرائيل بمهاجمة غزة. كانت واشنطن تحاول ان تبقي عبد الناصر بعيداً عن كتلة عدم الانحياز لكن ضرب غزة جعله يحسم أمره في الاتجاه نحو الشراكة المشهورة مع جواهر لال نهرو، كما جعلته يحسم قراره في التوجه الى موسكو من أجل التسلح العام.

كما امس كما اليوم. لقد كانت الغارة على غزة آنذاك نتيجة نزاعات داخلية، وبعد الحرج الذي اصيبت به الحكومة الاسرائيلية على إثر انفضاح قضية التجسس المعروفة بـ «قضية لافون». فقد بدا ان اسرائيل عاجزة عن تحقيق مكاسب امنية، فقامت بالغارة لكي تثبت العكس. وكانت الخطة تقضي بأن يفجر عملاء اسرائيليون سفارات وقنصليات اميركا وبريطانيا في القاهرة، مما يزيد في عداء الدولتين لمصر. غير ان الأمن المصري كشف المؤامرة وأحرج اسرائيل مما اضطر وزير دفاعها بنحاس لافون الى الاستقالة.

حل بن غوريون محل لافون وقرر، تعويضا معنويا عن ذلك، شن الغارة على غزة وأوكل أمرها الى مظلي يدعى ارييل شارون كان قد ارتكب قبل عامين مجزرة قبية الرهيبة. كلما كانت المجزرة كبيرة، كان «التعويض المعنوي» أعلى. يبدو المشهد متكرراً اليوم ولو كان ارييل شارون في غيبوبة. هناك من يتولى المجازر عنه، وبطائرات الفانتوم الاكثر تطوراً.

يتلاقى الأضداد والأعداء في مصلحة سياسية واحدة هي محاولة عزل مصر.

وقد حاولت مصر عبثاً ان تتدارك المتوقع من خلال الوساطة بين حماس وفتح. اذ يبدو ان هناك موقفاً ايرانياً قديماً من مصر لن يتغير. وهو يتلاقى مع موقف حماس واستراتيجيتها. وقد كان الثمن فادحاً ومريراً، لكن ايران نجحت في إحراج مصر، وحماس نجحت في نقل القضية من رام الله الى غزة. لكن مشهد الجثث والأشلاء والدماء كان أعظم وأهم وأعمق من أي ثمن سياسي عابر. ثمة سبل أخرى لتحقيق الأعمال السياسية غير الانتحار بأرواح الاخرين.