زمن المعجزات

TT

زمن المعجزات لا ينتهي أبدا. كل شيء يمكن أن يتغير. الهزيمة تصبح نصرا، والعجز يصبح إقداما، والظلام يصبح نورا. فذلك من طبائع الأيام. ومن طبائع البشر أن يتأرجحوا بين اليأس والرجاء. وحين يبلغ اليأس منتهاه، تهب العاطفة ساخنة هوجاء، تدفع بصاحبها ذات اليمين وذات الشمال، فيبكي تارة ويضحك تارة ويغضب تارة أخرى، ولكنه لا يحقق ما يريد. وفي النهاية يتهاوى خامدا. وربما لأن من خلقنا هو الأعلم بما وهبنا من أدوات لمواجهة الأزمات، وجهنا إلى أن نعقلها ونتوكل. كلمة السر إذن هي العقل. إذا اندفعت وراء عاطفتك على حساب عقلك خسرت كل شيء.

حين ينتهي عام ويبدأ آخر يستقبل الناس العام الجديد بالاحتفال والغناء والسهر وتبادل الهدايا، وكأن العام الماضي عدو ارتاح الجميع لرحيله. لكن الحقيقة غير ذلك. فالزمن هو خير معلم. ولو تأمل الناس في تاريخ عام مضى لتعلموا منه كثيرا.

لو لم يصمد شعب غزة في وجه آلة الحرب الإسرائيلية، لما خرجت جحافل البشر إلى الشوارع في شرق الدنيا وغربها، مطالبة بوقف العدوان. ولا شك أن المطالبة برد الظلم تستحق الثناء، ولكن الحصار والجوع والظلام الذي فرضه الحصار على أهل غزة لا يزيدهم إلا إيمانا بقضية الوطن المسلوب. وليس معنى هذا أن نحسد أهل فلسطين على المعاناة والقدرة على الصمود، ولكن لا يكفي أن نطلق الشعارات ونعتصم أمام السفارات. ولا يكفي أن تبكي الثكالى والأرامل. المطلوب هو توظيف العقل.

لماذا أصبحت إسرائيل دولة عظمى في غضون 60 عاما، بينما تراجعت الأمة العربية خطوات إلى الوراء؟ هذه هي المسألة. والإجابة ليست سهلة وليست حاضرة. ويكفي أن يقال إن أحد أركان النجاح هو الإيمان بقضية، والعمل على النجاح فيها عملا دؤوبا متصلا وفقا لخطة. عملهم بدأ منذ ألف عام، وظهرت بوادره خلسة في أوروبا العصور الوسطى، ولم تظهر بوادره علنا إلا في ظروف الحرب العالمية الأولى والتي أثمرت وعد بلفور، فمتى يبدأ عملنا نحن؟

جنين القومية العربية أجهض قبل أن يولد، ولكن ذكراه تظل ناشبة في القلوب. وربما أجهض الجنين لحكمة لا ندركها. وليس هذا هو المهم. المهم هو أن تقوى كل بقعة من أرض العرب بهمة أهلها وأولي الأمر فيها، وإيمانهم بأن الكثرة نعمة، والثروة نعمة، والأرض نعمة، والإيمان نعمة، ولكن أحدنا «لا يؤمن حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»، وأن رفعة ركن من أركان الأمة رفعة لكل أركانها.

رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة. وربما تكون الخطوة الأولى - في رحلة العرب نحو هدف منشود - حدثا يمر من دون أن ينتبه إليه أحد، قد يكون ذلك الحدث هو التفكير في إصدار عملة موحدة بين دول مجلس التعاون الخليجي، وقد يولد من رحم تلك العملة الموحدة دينار عربي يصبح ندا للدولار واليورو. وقد تكون الخطوة الأولى دعم طالب فلسطيني أو طالبة لاكتساب العلم. وإن لم يمتلك أحدنا الإمكانية، قد تكون هذه الخطوة قراءة كتاب في التاريخ نتعلم منه شيئا عن الخصم. الدعوة المخلصة حركة نحو الهدف، والفكرة الجيدة تحرك نحو الفعل.. وصدق المثل الإنجليزي القائل: لا تغضب من خصمك. ارتفع إلى مستوى قوته.