.. وبكاء الأطفال على صواري الخوف صلوات ورجاء

TT

نختلف مع حماس أو نتفق، نقرها على إنهاء الهدنة أو نعارضها، نحمّلها مسؤولية جلب الكارثة أو نبرّئها، فلا شيء يخفف من مرارة المعاناة التي تتجرعها غزة اليوم، لا شيء يعيد عقارب الساعة إلى الوراء، وقد ضاقت المسافة بين الفأس والرأس.

أكتب والساعة تشير إلى السادسة من صباح الأحد، وشاشات الفضائيات تظهر غزة تحترق كعود ثقاب، وإدارة الرئيس بوش في أميركا تعرقل الوصول إلى اتفاق في مجلس الأمن، وتعتصر آخر القطرات في كأس سلطتها لتغدق على جرائم إسرائيل المزيد من الظلال.

أكتب وأصوات الصواريخ والطائرات والمدافع تقُضّ سكون الفجر، وتوقظ مخاوف الأطفال، وتنبت في مآقي الأمهات المدامع، فأي ضمير لعالم يجلس على مقاعد المتفرجين لا يحرك ساكناً، وقد اختلطت أصوات القنابل باستغاثات الأطفال، برائحة الموت، تتقاسمها البيوت والطرقات.

أكتب ومناضلو الفضائيات من «مهاجرهم الآمنة» يتحدثون عن الصمود والثبات والتضحيات حتى آخر فلسطيني في غزة.

أكتب واللحظة تفر من أناملي إلى ضفة ترى «السيف أصدق أنباء من الكتب»، وأن حريق غزة أكبر من أن تطفئه المحابر.

الساعة السادسة، وهذا الصباح يجتر كوابيس الليل، ويختنق برائحة البارود، وغزة تحترق كعود ثقاب، ومناضلو الفضائيات يثرثرون على الشاشات، يوزعون الاتهامات، ويجثمون على صدر الوقت كالعمل الرديء. وأنا ما زلت أبحث عن الطحين في جعجعة الكلام المسكوب.

فلله نودع غزة التي تكالب عليها الأعداء، وتاجر بقضيتها «الأصدقاء»، لله نودع أطفالا جفّت ضروع أمانهم، فتعالى بكاؤهم على صواري الخوف صلوات ورجاء، لله نودع أمهات وأخوات لا حول لهن سوى الدعاء، لله نودع رجالا عزلا تآمرت على صدورهم الهموم ورصاصات الأعداء.

الساعة السادسة الآن، الدقائق تتدحرج ببطء كحبات مسبحة في أنامل زمن متوقف، ومراسلة القناة تشير إلى جرح ثلاثين إسرائيلياً، وكنت مشغولا ولم أزل بسلامة الفلسطينيين.

[email protected]