حفلات راقصة في تأبين غزة

TT

حظنا العاثر أننا عشنا في زمن رأينا فيه غزة تجري فيها أنهار الدم وترتكب العصابات الصهيونية على ساحات غزة الباسلة أبشع الجرائم الإنسانية، ثم يسجل التاريخ أن أرقاما قياسية من المبالغ تبذل هذه الأيام لمشاهير المطربين العرب لإحياء حفلات رأس السنة الميلادية متزامنة مع حمامات الدم والتقتيل والتدمير والنكبات التي توالت على الفلسطينيين العزل.

كلما اعتدت إسرائيل على الفلسطينيين فإن الشعوب العربية تلوم الزعامات السياسية العربية حين لم تصبها نخوة الخليفة المعتصم، الآن صار سقف طموحاتها متدنيا جدا، فالشعوب تريد قدرا ضئيلا من الحياء فلا تسمح بتنظيم هذه الحفلات، ولو نظمت أن تقاطع فلا تحضر، وتطالبنا أن ننتقد شاري بطاقات هذه الحفلات وطابعها ومسوقها ومبتاعها وحاملها والمحمولة إليه تضامنا مع مآسي من تجمعنا بهم أواصر الدين وروابط العروبة، وهذا ينسحب بالضرورة على عدد من القنوات الفضائية العربية الأخرى التي لاتزال تبث برامج لا تليق وكأنها لم يصلها خبر ما يجري في غزة، أفلام تافهة وفيديو كليبات سخيفة علاوة على أنها تخدش الدين والحياء فهي تخدش المروءة التي من أدنى درجاتها، لا أقول التضامن مع ما يجري لضحايا غزة الجريحة، ولكن الحياء منهم ومن تقصيرنا في حقهم وليس بعد ذلك حبة خردل من إيمان.

حرام أن أموالنا في حفلات الطرب تستنزف، في وقت دماء أهلينا في غزة تنزف، حز في النفس وأحزنها ما أعلن مؤخرا في إحدى الدول العربية أن نصيب مطرب مشهور ليلة السنة الميلادية، وهي إحدى أعنف ليالي القصف الدموي، قد كلف حوالي النصف مليون دولار ضاربا رقما قياسيا جديدا، طبعا ليس طموحنا في تحويل هذه الدولارات إلى غزة لتخفيف المعاناة الفلسطينية بدل الرقص والطرب، لكن يكفينا الخجل من العائلات الفلسطينية المكلومة بعدم بث ما لا يليق وهيبة الحدث.

هذا التقصير في التعايش الواقعي مع الأحداث الدامية في غزة لم تسلم منه بعض الأقلام الصحفية من المحيط إلى الخليج والتي مازالت في نقاش حول من يتحمل مسؤولية جرائم غزة، جدال وسجال وتراشق واتهامات متبادلة والضحية الفلسطينية بين أقلامهم تنزف وتموت، إن من الخطأ فتح ملفات التحقيق مع «حماس» هذه الأيام، والاعتراض هنا فقط على توقيت النقد والمساءلة، وإلا فأنا لا أوافق حماس البتة على خطواتها الأخيرة مهما كانت المبررات.

لكن في وقت حلول الكوارث واندلاع الحروب واشتداد الهجمات كما فعلت الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة تصبح مساءلة حماس وهي على خط النار وغزة بكل سكانها تنزف غير مقبولة، والتوبيخ نوع من قلة المروءة، وتعديد الأخطاء وفتح ملفات الغلطات والسقطات ونكش خلافات الماضي والجرح الفلسطيني مفتوح والمستشفيات تتكدس بالموتى والمصابين، تصرف غير لائق وغير عاقل.

ليعمل الجميع حكومات ومؤسسات شعبية وكتاب ومثقفون للضغط لإيقاف الاعتداءات الإسرائيلية الإجرامية، ومنح الفرصة لقطاع غزة أن تضمد جراحاته ويفك حصاره المقيت الذي جعل الأغلبية الساحقة للفلسطينيين تقف بقوة خلف حماس، وافتحوا المعابر وأمنوا احتياجات القطاع الضرورية ثم حاسبوا بعدها ولوموا من تشاءون. ثم إن الخطورة في توبيخ حماس في وقت اشتداد الهجمات الدموية على قطاع غزة وتحميلها مسؤولية جريمة الاعتداءات الإسرائيلية الوحشية أو حتى اتهامها بالاشتراك في المسؤولية أنه يوجه رسائل واضحة لقادة الكيان الصهيوني لمواصلة هذه الاعتداءات، فقد أشارت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية إلى أن هناك «في العالم العربي من لا يأسف على ما يحصل في غزة».

أعود إلى عنوان المقال وأقول بأنه إذا ظن أحد أنني تكلفت نقد إحياء الحفلات الغناية في رأس السنة وتزامنها مع الاعتداءات الإسرائيلية الهمجية فليطلع على موقع «CNN» الذي لم يكن في ظني بريئا حين عنون نقولاته من الصحف العربية بهذا العنوان الكبير «زعماء عرب مع ضرب غزة.. وعمرو دياب الأغلى أجراً».

[email protected]