الهيئة وجدلية الأماكن الأثرية !

TT

لا أعتقد أن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في منطقة مكة المكرمة قد حالفها التوفيق في طلبها وضع سياج عازل فاصل حول جبل ثور، وجبل الرحمة، وجبل النور، وذلك ـ بحسب وجهة نظرها ـ لمنع ما يحصل في هذه المواقع من أعمال شركية وبدعية، وكذلك طلبها إزالة مقبرة المعلاة، وقبر ميمونة، ومقبرة أمنا حواء، لما يقوم به بعض الحجاج من ممارسات خاطئة، فالتسوير والإزالة ليست أنجع الحلول لمنع مثل تلك الأعمال التي يقوم بها بعض الجهلاء والعوام، فالأمور لا تتطلب المعالجة بهذه الطريقة، ولا وفق هذا الأسلوب، فلو أننا طبقنا هذا المبدأ على كل أثر أو موقع تاريخي أساء بعض الناس التعامل معه؛ لما بقي جبل أو أثر أو مقبرة، ولفقدنا مختلف آثارنا، وشواهد تاريخنا، ومعالم بلادنا، وبدلا من تسوير هذه المواقع أو إزالتها، يقتضي الواجب منا إزالة الجهل، وتثقيف الناس، ومساعدتهم بالكلمة الطيبة على إدراك أخطائهم، فالقلوب العامرة بالإيمان تحتاج إلى وسائل إرشاد وإقناع وتوجيه أكثر من أن نحول بينها وبين أخطائها بالتسوير أو الإزالة.

ولو مضت الهيئة في تطبيق هذا المبدأ، فماذا عساها أن تفعل في أسماء أسواق وأحياء، مثل: سوق العلوي، وحارة المظلوم، والعيدروس في مدينة جدة؟!، وكل هذه المواقع تستمد مرجعياتها من مواقع أضرحة سابقة لبعض الرجال الطيبين في تاريخ المدينة البعيد، فهل ستنشغل الهيئة بإزالة هذه الأسماء وتغييرها والدخول في سياقات تنقية التاريخ ومحاكمته، كما تفعل الآن إزاء بعض الأماكن، كموقع ولادة الرسول، صلى الله عليه وسلم، ومقبرة «أمنا حواء»، التي اختلفت الآراء حول احتوائها على جسد أم البشر حواء، وإن لم ترتق الروايات التي تتحدث عن مدفنها في ذلك الموقع إلى مستوى التوثيق واليقين، وماذا عسى الهيئة أن تفعل إزاء مواقع أخرى ذات قيمة أثرية وتاريخية كمدائن صالح وغيرها؟!.

أمام هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مسؤوليات وواجبات ومهام كثيرة وجليلة، وهي ليست في حاجة إلى الدخول في الجدليات التاريخية حول توثيق بعض المواقع الأثرية أو نفي صحتها، إذ يكفها أن تقوم بدورها في الارتقاء بسلوكيات الناس، والابتعاد بهم عن مواطن الضلال والشبهات، وهذا أفضل عملا، وأجدى نفعا، وأعظم أثرا من اقتراحات التسوير والإزالة.

[email protected]