بعد أن تصمت المدافع

TT

عنونت مجلة تايم الاميركية غلافها في عددها الأخير عن احداث غزة بكلمتين هما «مرة أخرى» في اشارة الى السيناريو المتكرر للاحداث من عنف وقتل وقصف وما يصاحب ذلك من معاناة انسانية وضحايا، وبالطبع التحديات التي تواجه الادارة الأميركية الجديدة الباقي امامها اكثر من اسبوعين لتسلم مهامها، وفضلت الصمت حتى الان عملا بالتقليد الأميركي بان هناك رئيسا وادارة واحدة الان يحق لها ان تتكلم لحين تسلم فريق اوباما الحكم.

«مرة أخرى» عبارة تعني الكثير بالنسبة الى المسيرة الفلسطينية، وجوهرها ان مراوحة في المكان طالما ان الاحداث تتكرر بنفس الشكل حتى لو اختلفت درجات العنف بينما لا يوجد افق سياسي يوحي بتغير في المشهد او تقدم الى الامام.

واذا استعرنا عنوان الكاتب المصري الراحل محمد سيد احمد لكتابه الذي صدر قبل حرب 1973 في وقت صعب كان لا احد يجرؤ فيه على التفكير في افق يتعدى الحرب والرصاص «بعد ان تسكت المدافع» لتخيل سيناريو سياسي يعقب صمت المدافع، فان الوضع الحالي بكل تعقيداته والآمه لا يجب ان يحجب عن النخبة السياسية والاطراف المؤثرة القدرة على التفكير فيما يتجاوز اللحظة الصعبة الدامية الحالية، وماذا عن المستقبل وهل سيعود الوضع الى ما كان عليه لتنفجر ازمة وحرب كل عدة شهور يدفع ثمنها اهالي غزة.

فصوت الرصاص والقنابل ودوي المدافع لابد ان يتوقف في لحظة ما، والافضل ان يكون ذلك في اسرع وقت لتجنب سقوط المزيد من الضحايا وايقاف نزيف الدم، وعندما يحدث ذلك، فان الثمن الذي دفعه اهالي غزة في هذه الحملة الاسرائيلية لا يجب ان يكون هباء، او مجانا ليعود الوضع الى ما كان عليه، وتستمر معها مخاطر تكرار نفس السيناريو بعد فترة.

وهذا ما يجب ان تركز عليه التحركات السياسية الاقليمية والدولية الكثيفة التي تشهدها المنطقة وعواصم العالم في فترة انتقالية تعيش فيها الولايات المتحدة، وهي القوة صاحبة التأثير الاكبر حالة انتقال من ادارة الى اخرى، اعلنت ان اولويتها هي الاقتصاد، وعلى الارجح انها ستحتاج الى فترة لبلورة استراتيجيتها وسياستها تجاه الشرق الأوسط.

والأهم من التحركات الخارجية هو بلورة فكر فلسطيني واقليمي سياسي يركز على المصلحة الفلسطينية اولا واخيرا بعيدا عن الصراعات الاقليمية الاخرى للوصول الى اتفاق سياسي يحمي غزة واهلها ويوقف معاناتهم، ويؤمن شكلا من اشكال التنمية، والاعمار بما يحقق متطلبات حياة كريمة معقولة، وعلى المدى الاطول يحقق تقدما على المسيرة السياسية.

هذا الحل يحتاج الى شجاعة سياسية ومراجعة للسياسات وحساب شفاف للخسائر والارباح، والأهم وحدة وطنية فلسطينية تقنع العالم بان هناك صوتا واحدا ورؤية واحدة وليس رؤيتان متضاربتان تمنح الحجة المعروفة بانه لا يوجد طرف موثوق يمكن التفاوض معه.