لماذا اختار القاضي المدرسة لتنفيذ حكم الجلد؟!

TT

لا أتفق، من الناحية التربوية، مع الحكم الذي أصدره أحد القضاة بمحكمة القنفذة بجلد أحد السجناء داخل مدرسة متوسطة وثانوية، وأثمن موقف إدارة التربية والتعليم بهذه المدينة التي طالبت بعدم تحويل مدرستها إلى ساحة لتنفيذ حكم الجلد، وكذلك تأييد وزارة التربية لموقف الإدارة، وتأكيد أمير المنطقة خالد الفيصل بالتقيد بقرار مجلس القضاء الأعلى من حيث عدم تنفيذ الأحكام الشرعية داخل المدارس، ما لم تكن الجناية مرتكبة داخل إحدى المدارس، وأن ينص حكم القاضي بذلك.

وبعيدا عن القناعات التي انطلق منها القاضي في تحديد مكان تنفيذ الحكم، فإن المدارس ليست البيئة المناسبة من الناحية التربوية لتنفيذ الأحكام في ساحاتها، التي من شأنها توليد الكثير من الأسئلة المبكرة في أذهان تلاميذ صغار، لم يبلغ الحلم منهم الكثيرون، وسيتطلب ذلك من المعلمين مسؤوليات صعبة لتوضيح المسألة، وتبرير اختيار المدرسة مكانًا لتنفيذ حكم الجلد، وسيكون الأمر بكل تأكيد على حساب العملية التعليمية، وسيقتطع من الوقت الذي ينبغي أن يصرفه التلاميذ في التعلم والتحصيل الدراسي، فضلا عما تحمله أجواء تنفيذ العقوبة وشرح الجريمة من إثارة تَصَبّغ يوم الطلاب المدرسي بالتوتر والشائعات.

وتزداد المسألة تعقيدا من الناحية التربوية في أن الشخص الذي تطبق عليه عقوبة الجلد أحد السجناء العسكريين، وما ارتكبه هذا الرجل من جرم يخصه هو دون غيره، وبالتالي لا ينبغي أن نسهم من دون قصد الإساءة في خدش الصورة الجليلة للعسكريين في أذهان بعض التلاميذ بما ارتكبه فرد من أفرادهم، خاصة أن التربية تسعى إلى تعميق الصورة الرائعة المستحقة لرجل الأمن في نفوس الناشئة داخل مؤسساتنا التربوية، فلرجال الأمن، ومختلف المهن العسكرية، مكان ومكانة في ذاكرة المجتمع ووجدانه وفكره، فهم عيون الوطن الساهرة، وراياته الشامخة الشاهقة.

وأنا أنظر بعين التقدير لاجتهاد القاضي، فقد تكون له رسالته التي أراد إيصالها في اختيار المدرسة كمكان لتنفيذ حكم الجلد، إلا أنني، كتربوي، أرى أنه مهما كانت أهمية الرسالة وأهدافها الخيرة، فإن ثمة ضرورة في أن ننأى بمدارسنا وطلابنا وبيئاتنا المدرسية عن كل القضايا التي من شأنها أن تثير أسئلة لا تتفق الإجابة عليها مع المراحل العمرية والتكوينية للتلاميذ. ولعل القاضي الذي أصدر الحكم سيتعاطف مع وجهة النظر التربوية هذه، إذ ليس ثمة شك في أن الجميع يجتهد لتحقيق مصلحة المجتمع وأمنه وصلاحه.

[email protected]