بغالنا المدللة

TT

استمتعت بقراءة مقالة زميلنا مشعل السديري، «بغالنا وبغالهم» بحيث اوحت لي بالإدلاء بدلوي في هذا الموضوع الخطير. تتمتع البغال في العراق بمكانة كبيرة نظرا لدورها في محاربة الاكراد, فهي المخلوقات الوحيدة التي تعرف جبالهم وطرقهم وتقوى على تسلق القمم الشامخة واجتياز الوديان المخيفة. ولهذا كانوا يعطونها راتبا اعلى من راتب الجندي ويسهرون على صحتها وراحتها اكثر من الجندي. فالعساكر مخلوقات رخيصة ولا يتأثر البلد بموتهم او حياتهم. ولكن هلاك بغل يعني تأخر الحملة لعدة ايام او اشهر. وهي حقيقة لم يفهمها الجنود فطالبوا مرارا بمساواتهم بالبغال. وسمعت انهم عندما يصيب مقاتلو البيشمرغة بغلا من بغال الجيش العراقي ويردونه قتيلا فإن آمر الفوج يقيم مجلس عزاء لثلاثة ايام ويوزعون الكعك على فقراء الاكراد على روح البغل الفقيد. وهو ما لا يفعلونه عند مقتل الجنود.

والبغال اكثر ذكاء من الخيل واقل نهماً وإسرافا في الأكل. والبغلة لا تحمل ولا تلد، الأمر الذي يعطيها تميزا في منطقة الشرق الأوسط. ولهذا ايضا لا يحتاج الجيش العراقي لتوفير عازل للبغال. وكما نرى انها حيوانات حكيمة جدا فرغم مكانتها الكبيرة في الجيش العراقي فإنها لم تفكر قط بالقيام بأي انقلاب عسكري. وهذا في رأيي شيء مؤسف. فلو ان البغال استولت على الحكم ، لما وقع العراق فيما وقع فيه من المصائب، ولا انتشر الفساد ونهب اموال الدولة بالشكل الذي رأيناه أخيرا. البغال حيوانات امينة ولا تمد حوافرها الى اموال غيرها او تزور الشهادات الجامعية بأضلافها. فضلا عن ذلك، لم اسمع قط طوال حياتي بوجود اي طائفية بين صفوفها. فلو انت سألت بغلا: ما هو مذهبك؟ لرأيته يفقد اعصابه (وهو شيء نادر بين معشر البغال الحكيمة) ويهجم عليك ويعطيك رفسة موجعة في بطنك او وجهك.

اقول مثل ذلك عن الارهاب. فرغم القوة الهائلة للبغل وخبرته الطويلة في حمل القنابل والمتفجرات والتعامل بها، فإن اي بغل من البغال لم يفكر قط بالضلوع في العمليات الارهابية.

وهو ما اورده مراسل صحافي امريكي خلال وجوده في افغانستان. كان يجيد لسان البغال.

فقال انه سمع احد البغال الافغانية يقول لأصحابه: «يا جماعة هذي شغلة الارهاب شغلة بني آدم. الله ما اعطاهم عقل مثل ما اعطانا».

نقول في العراق «البغل يتباهي بخاله الحصان» اشارة الى انه نتيجة معاشرة حمار لفرس. وهو قول سقيم ومردود. فكما قلت البغال اكثر ذكاء من الخيل فلو ان انثى الخيل، الفرس العربية، تمتعت بما يكفي من الذكاء والعقل، لما سمحت لحمار غبي بمواقعتها.

www.kishtainiat.blogspot.com