الحق المشروع للدفاع عن النفس.. من حق من؟

TT

خلال الأسبوعين الماضيين طالعتنا صور القتل والدمار من غزة، وبثت من خلال قنوات الإعلام المختلفة للعالم أجمع، وتتالت عقب أحداث العنف المسلح أصوات التنديد من قادة العالم ورموز سياسية وإنسانية وشعبية، وتعالت الأصوات التي تنادي بوقف فوري للعدوان.. ولم يكن الشارع العربي بمعزل عن هذه الأصوات، وعبر بطريقته الخاصة عن غضبه لما يحدث وربما عبر أيضاً عن إحباطه لعدم قدرته على تحقيق خطوة واضحة لرفع المعاناة عن أهل غزة.. صوت قوي ضد القوة العسكرية غير المتكافئة، ضد أبرياء وأطفال عزل لا ذنب لهم سوى أنهم ولدوا ليعيشوا تحت الاحتلال.

لكن هذه الأصوات، خاصة تلك التي أتت من دول تمثل مراكز قوى عالمية، لم تتخذ ـ وحتى هذه اللحظة ـ موقفاً قويا وموحداً ضد إنهاء مسلسل العنف الذي يحصد أرواح أبرياء عزل لم تتح لهم حتى فرصة الهرب من نيران الهجوم العسكري واللجوء، أسوة بكافة أولئك الذين يعانون في باقي مناطق الصراع في العالم. هذه الأصوات لم تكن كافية للضغط على إسرائيل على مدى الأربعة عشر يوماً الماضية لإيقاف عملياتها العسكرية والعدوان القائم تحت ستار «الحق المشروع في الدفاع عن النفس».. وما زالت حجة الدفاع عن النفس تحصد أرواح المئات والمئات من الأطفال والنساء وكبار السن والشباب الذين لا ذنب لهم، كل ذلك ثمناً لأمن دولة إسرائيل.. لكن من يدفع ثمن أمن أهل غزة.. بل الأحرى بنا أن نسأل أنفسنا: ما هو ثمن أمن أهل غزة؟ وربما، ربما إذا عرفنا جواب هذا السؤال صار بإمكاننا العمل على تحقيق السلام.

وفي وقت كان الشارع العربي قد آمن بخيارالسلام، وفي وقت كان الأمن بالنسبة لأهلنا في فلسطين قاب قوسين أو أدنى، فإن ما يحزنني أن ذلك الحلم أصبح بعيد التحقيق، فللأسف، وللملايين من العرب والمسلمين فإن صور الدمار والقتل والتشريد ليست بجديدة علينا، فنحن نراها يوميا ونسمع عنها كل يوم من أيامنا على مدى نصف قرن من تاريخ الاحتلال والمعاناة لشعب فلسطين. وهي تذكير يومي بالكارثة الإنسانية التي هيمنت عليهم خلال تلك السنين... واليوم ومع هذا العدوان وبعد أكثر من سنة ونصف السنة من الحصار المفروض على أهل القطاع، بات الحلم الوحيد لأولئك الذين نجوا من العنف العسكري هو مرور المساعدات الغذائية ومواد الإغاثة من المعابر ونقاط التفتيش وإلى بيوتهم... وحتى هذا الحلم قد توقف حين أعلنت إسرائيل إقفال كافة المعابر.

ومع سماعنا المتكرر ومن العديد من الرموز العالمية، وبالأخص الغربية، عن الوضع المأساوي لأهالي غزة إلا أن حجة إسرائيل في الدفاع عن نفسها تظل تطغى على كل تصريحاتهم، ورغم هذه الحجة التي تستخدمها إسرائيل في تبرير موقفها، والتي باتت غير مقنعة حتى لبعض الإسرائيليين أنفسهم، إلا أن استخدام القوة العسكرية المفرطة ضد شعب لا يملك أدنى مقومات المقاومة لا يمكن تبريره ولا التعاطي معه.. فمن يعطي الحق للفلسطينيين في الدفاع عن أنفسهم.. ومن يقبل هذا الدفاع كحجة مقنعة.. لقد أصبحنا في زمن لم تعد مقاييس العدالة تقاس كما كانت من قبل.. بل باتت القوة هي الميزان الوحيد.. وإن لم نتخذ موقفا موحداً فإننا سنخسر إنسانيتنا التي هي أساس وجودنا ومصدر الأمل لنا جميعاً. إن ما يحصل اليوم جريمة بحق هذه الإنسانية، وسيحكم علينا التاريخ وبشدة للسماح بمثل هذه الكارثة بالحدوث.

وعندما تفشل أو تتعرقل الجهود السياسية، كما هو واضح الآن، فمن حق الشعوب التعبير عن رأيها وإسماع أصواتها، بل والضغط على القوى السياسية لوقف فوري للعدوان.. وعلينا أيضا الضغط على إسرائيل لفتح كلي لكافة المعابر، بدون شروط، حتى تتمكن جهود الإغاثة والقوافل من الوصول لأهالي غزة.. لأنه حتى ومع وقف للنار فإن الكارثة الإنسانية تبقى، ومن نجا من القنابل والدبابات والنيران لن ينجو من الجوع والأمراض.. فشبح الجوع تمكن من معظم اهالي غزة وسيبقى الجوع يهدد غزة لفترة طويلة قد تستمر سنين.. وعلينا أن نواصل العمل على تأمين المعونات الغذائية لأولئك المهددين بالموت من الجوع. من المؤسف أن خيارنا الوحيد الآن هو صراع البقاء، وليس الأمن والسلام، ومع ذلك علينا أن نحاول أن نجد جواباً للسؤال الذي يطرح نفسه.. ما الذي يمكن أن نقدمه ثمنا لأرواح أهل غزة. وحتى مع توقف القصف، ما هو الخيار لأهالي غزة، العودة إلى الجحيم الذي كانوا يعيشون فيه خلال الحصار وحتى قبل ذلك بسنين؟

بصفتي سفيرة سلام للأمم المتحدة، لعل من المتوقع مني أن أنادي للسلام وأدعو لوقف العنف، أو ربما أن أملك حلا سحرياً. لكن للأسف الشديد، فإن كل ما تبقى لي أن أفعله في هذه اللحظة هو محاولة يائسة للمناداة بحق الشعب الفلسطيني بالبقاء على قيد الحياة.

* سفيرة الأمم المتحدة للسلام