الإخفاق الأخير لأولمرت

TT

تعني الحرب الجديدة لإسرائيل مع حماس أنه سيتم تذكر رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت على أنه الرجل الذي خاض حربين صغيرتين دمويتين ومدمرتين في أقل من ثلاث سنوات تربع فيها على عرش السلطة. كانت أولاهما مع لبنان، خلال صيف 2006، وخلال تلك الحرب أنزل عقابا بحزب الله، رغم إخفاقه في إلحاق هزيمة به أو حتى جرح كبريائه بصورة دائمة، بل بات واضحا أنه أقوى عسكريا وسياسيا هذه الأيام عما كان عليه قبل أن يصل أولمرت إلى سدة الحكم. أما عن هذه الحرب الراهنة، فمن المحتمل أن يكون لها نفس الأثر والصدى على حماس، والتي بالتأكيد ستظل تسيطر على غزة تقريبا، وستستعيد قدرتها من جديد على مهاجمة إسرائيل، عندما يغادر أولمرت منصبه في غضون بضعة أشهر.

أما الصورة الأكثر بعثا للحزن على الإطلاق، فتتمثل في أن أولمرت ـ الذي كان في السابق من المؤمنين المتشددين «بإسرائيل العظمى» ـ أصبح ملتزما أكثر من أي رئيس وزراء سابق بإنهاء صراعات البلاد مع سورية، ولبنان، والفلسطينيين. ومع انقضاضه على المنصب في يناير (كانون الثاني) 2006، نظرا لعدم أهلية أرييل شارون، فاز أولمرت بالتكليف الرسمي لتولي السلطة من خلال تعهده بسحب الجنود الإسرائيليين أحاديا والمستوطنين من معظم أراضي الضفة الغربية. وعندما قوضت الحرب اللبنانية هذا المشروع، دشن مفاوضات مباشرة بينه وبين الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وفيها تباحث معه على بنود إقامة دولتين تعيش كل منهما بجانب الأخرى، على خلفية ما قدمته الحكومة الإسرائيلية في السابق. كما استهل بدوره أيضا مباحثات غير مباشرة مع بشار الأسد، متجاوزا بذلك اعتراضات إدارة بوش.

ولدى أولمرت هيام بالتحول في يوم من الأيام إلى حل إقامة دولتين متجاورتين متعايشتين في سلام. وهو على أتم قناعة بأنه ما لم يكن بمقدور إسرائيل عزل نفسها عن الضفة الغربية وغزة في المستقبل القريب، فسيتم غمرها ديموغرافيا وسيكون لزاما عليها بعد ذلك التخلي إما عن ديمقراطيتها، أو مكانتها كدولة يهودية. ولدى زيارته الأخيرة إلى واشنطن بنهاية نوفمبر (تشرين الثاني)، ظل يدفع ـ رغم تخلي الجميع فعليا في إسرائيل وواشنطن عن هذه الفكرة ـ نحو التوصل إلى «إطار للاتفاقية» مع عباس، يكون بمقدورها الإعلان عن بنود الاتفاق، وأن تصادق الأمم المتحدة عليها.

وفي النهاية، تمثل كل ما حصل عليه أولمرت في القرار 1850 الصادر عن الأمم المتحدة والذي يقر بحل إنشاء دولتين متجاورتين من دون تحديد أية تفاصيل. وبدلا من التوصل إلى اتفاق كبير مع عباس أو الأسد، سيغادر أولمرت مخلفا وراءه أرضا خرابا مضرمة بالنيران في غزة، وجبهة لبنانية منصوبة عليها صواريخ حزب الله، ووجودا إسرائيليا في الضفة الغربية متوسعا أكثر بدلا من أن يتم تقليصه على مدار السنتين المنصرمتين، إذ أن هناك آلاف المنازل الجديدة التابعة للمستوطنين تحت الإنشاء. وفوق هذا كله، من المحتمل أن يذهب أولمرت إلى السجن في اتهامات تتعلق بالفساد، أجبرته على التخلي عن منصبه.

ويجسد إخفاقه فرصة أخرى ضائعة للتوصل إلى سلام في الشرق الأوسط، ويعني هذا أن إدارة أوباما القادمة، شأنها شأن إدارة بوش التي قدمت عام 2001، سترث وتُرهق بجولة جديدة من إراقة الدماء بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وحكومة إسرائيلية جديدة نافرة عن التوصل إلى اتفاق. ويعتبر بنيامين نتنياهو هو المرشح الأوفر حظا لشغل منصب رئاسة الوزراء في الانتخابات الإسرائيلية المزمع عقدها في شهر فبراير (شباط)، ويتوق هذا الرجل إلى تأجيل إقامة الدولة الفلسطينية إلى أجل غير مسمى، فضلا عن استخدام القوة العسكرية ضد البرنامج النووي الإيراني. وإذا ما تم انتخاب نتنياهو، فستكون هناك احتمالية كبرى أن يواجه أوباما أزمة في العلاقات الأميركية ـ الإسرائيلية أكثر من أزمة السلام في الشرق الأوسط.

لقد أخطأ أولمرت في التقدير على نحو مفجع لدى شنه حربا مع حزب الله ـ ومن المحتمل أنه يقوم بالخطأ ذاته مع غزة، إذ أن حربها ستحصد المزيد والمزيد من الأرواح، وتعرض إسرائيل إلى جولة جديدة من الخزي والعار، في الوقت الذي ستصرف فيه الأنظار عن التهديد الأكبر، والمتجسد في إيران. ورغم نواياه الجريئة، أثبت أولمرت أنه غير عازم على التصدي لحركة الاستيطان اليهودية بالضفة الغربية، كما أخفقت حكومته حتى في تفكيك تلك المستوطنات التي طالما أعلنت أنها غير قانونية.

ومع ذلك، لا يعتبر أولمرت الملام الوحيد على هذا، لقد استضاف الرئيس بوش مؤتمرا للسلام في الشرق الأوسط في أنابوليس العام الماضي، لكنه لم يستثمر هذا الاتفاق بنفسه بصورة كلية في محاولة أولمرت للتفاوض مع عباس. كما سافرت كوندوليزا رايس 16 مرة خلال 21 شهرا إلى المنطقة، لكنها أثبتت عدم فعاليتها كوسيطة. هذا إلى جانب إعلان الدول العربية صراحة التزامها بإقامة سلام مع إسرائيل شريطة الاعتراف وإقامة دولتين متجاورتين تعيشان في سلام، ومع ذلك كانوا غير عازمين على اتخاذ أي خطوة ملموسة لحدوث هذا.

والأسوأ من ذلك، انتهج عباس العادة الطويلة للزعماء الفلسطينيين السابقين وذلك عبر التفاعل والتأثير للحصول على عرض إسرائيلي بعيد المدى مع احتجاج غير جريء. ولم يعلن أولمرت مطلقا بصورة علانية البنود التي ناقشها مع عباس، إلا أن المصادر أفادت أنه مضى إلى أبعد مما اتفقت عليه إسرائيل في محادثات كامب ديفيد عام 2000، والتي كانت سابقا أقرب طريقة للتوصل إلى اتفاق. وقيل لي إن أولمرت عرض دعم تنازلات هائلة للسماح بآلاف اللاجئين الفلسطينيين «بالعودة» إلى إسرائيل في غضون سنوات، كما وافق أيضا على تقسيم القدس بين إسرائيل وفلسطين. ومثله مثل ياسر عرفات في كامب ديفيد، رفض عباس التوقيع على الاتفاقية التي كان سيمتدحها ويرحب بها العالم.

وبناء عليه، سينهي أولمرت فترة ولايته كرئيس للوزراء مثل إيهود باراك تماما، فقد ضرب وفجر، بدلا من تحرير الفلسطينيين. وسيتم تذكره دوما بحربيه ـ ولكن قد تمر سنوات طويلة قبل أن يظهر في إسرائيل مرة أخرى زعيم يرغب في صنع السلام.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»