الدور المطلوب

TT

تزامن قدري مبهر حين توافق موعد وفاة الكاتب الامريكي صاموئيل هينتنغتون، صاحب نظرية كتاب «صراع الحضارات» الذي بات معروفا، مع انطلاقة العدوان الاسرائيلي المسعور على قطاع غزة، فأتى قصف غزة وذبح ابنائها بلا رحمة ولا هوادة بمثابة تحقيق تام لهذا السفر المشؤوم. فاسرائيل تتصرف بجنون وهي «تعلم، وعلى يقين» بأنها لن تنتقد ولن يجرؤ الغرب على التصدي لها. من أين يأتي هذا اليقين؟ وما الذي حول مفهوم «الحضارة المسيحية» الى مفهوم «الحضارة اليهودية المسيحية» وذلك بعد انقضاء الحرب العالمية الثانية، وتبنى ذلك كبار اللاهوتيين المسيحيين من بروتستانت وكاثوليك على السواء. اوروبا والغرب نهجوا هذا الخط الغريب بعدما أصابتهم عقدة خوف وذنب كبرى وذلك خوفا من أن يتم اتهامهم بمعاداة السامية، ولذلك قاموا بإرضاء اليهود بأي وسيلة وبأي ثمن وبأي طريقة وبأسرع وقت. وكان بالتالي على الشعب الفلسطيني عبر التاريخ الذي تلى ذلك أن يقبل بأن يكون هو «كبش فداء للمحرقة». مع شديد الاسف، ومع البعد عن كل الديباجات والأقاويل والشعارات اللائقة سياسيا، فلا يمكن إنكار ولا إغفال أنه لو كان الضحايا في مذبحة غزة من غير المسلمين لما حصل ما حصل ولما كان الصمت الدولي بهذا الوضع المعيب والمخزي. إنه الشكل البشع لصراع الحضارات في أدنى صوره. مقتل المسلمين بات يمر في وسائل الاعلام العالمية بشكل مقبول ومستساغ ولا يحرك ساكنا في ضمائر الدول والشعوب، ولا يمس الضمائر الحية التي تنادي وترفع الشعارات البراقة وتدافع عن الحقوق بكافة اشكالها حول العالم. ومرة أخرى هنا يجب طرح السؤال على المسيحيين حول العالم: متى سيستيقظون لنصرة أرض المسيح وأبناء المسيح مما يحدث لهم اليوم ؟ أصوات قليلة جدا من رجال الدين المسيحيين الذين تكلموا وصرحوا وصاحوا معترضين على ما يحدث، مثل المطران عطا الله حنا مطران القدس، والأب جورج مشوح من لبنان، والبابا شنودة من مصر، ولكن المسألة تتطلب المزيد من الحراك. وهناك مسؤولية تاريخية على المسيحيين تتطلب منهم الحراك وبجدية «للفصل» ما بينهم وبين القيود «اليهودية» ليروا الامور على حقيقتها. مسيحيو فلسطين أيضا تضرروا ولا يعرف حقيقة سر تغيبهم بهذا الشكل حتى الآن، فالكل يدرك أهمية ادوارد سعيد وخطابه النقدي للغرب في سياسته الفلسطينية، و«من» الذي أجبر حنان عشراوي على الصمت وإخفائها بهذا الشكل المعيب ؟ الحرب على غزة حرب «دينية» تمارسها «صهيونية» يهودية متعجرفة رافضة للسلام وناكرة لكل المعاريف والقرارات والمواثيق. جورج بوش الرئيس الامريكي الحالي، والذي ينتظر العالم بفارغ الصبر رحيله لعل وعسى ينكسر النحس الذي أتى معه، منح اسرائيل رخصة استثنائية حين قال في حقها إنها «دولة يهودية حصرية» معطيا اليهود فيها مقاما أعلى من كل الآخرين فيها من عرب ومسلمين ومسيحيين وبهائيين ودروز «ذوي المكانة الأدنى»، وهذا نظام عنصري بغيض لا وجود له ولا مكان له في عالم متحضر. وهذا الاعتداء الاسرائيلي يصوره المسيحيون الجدد انه استمرار للنصرة التوراتية بين الملك داود وجالوت فينحازون طبعا لاسرائيل ويشمرون في دعمها لانها الدولة «الديمقراطية» الوحيدة وسط «أعدائها» العرب. المسيحيون مطلوب حراكهم الفوري ضد اسرائيل نصرة لتعاليم المسيح أولا وأخيرا .

[email protected]