التعليم بأفغانستان في ظل الهجمات

TT

يمكن القول إن وجه فتاة متعلمة يعد واحداً من أفضل الرموز على الإطلاق في مجال إحراز تقدم على صعيد مكافحة الفقر. وقد كنت سعيدة الحظ لتمكني من رؤية المئات منهن خلال رحلة قمت بها عام 2006 إلى أفغانستان. وأضاءت هذه الوجوه المفعمة بالحماس واليقظة ساحة مدرسة جديدة تم بناؤها لتوفير التعليم لنحو 1000 فتاة في إقليم باميان بوسط أفغانستان. وولت أيام حكم طالبان، حيث حُرمت الفتيات من التعلم، والنساء من التدريس. والآن، بات من الممكن أن تتلقى القيادات الأفغانية المستقبلية تعليمها بأماكن مفتوحة وعلناً. وربما كان ذلك السبب وراء الاهتمام الذي أثاره الهجوم الوحشي الذي تعرضت له مجموعة من التلميذات الأفغانيات بمدينة قندهار الجنوبية. كانت التلميذات في طريقهن إلى المدرسة مرتديات الزيَّ الموحدَ عندما مر إلى جانبهن رجلان يقودان دراجتين بخاريتين وأطلقا عليهن مادة كاوية باستخدام مسدسات مائية.

وبذلك، استهدف المهاجمون ذات الرمز على تحقيق تقدم، والذي شكل مصدر إلهام لي ولكثيرين غيري. وتم نقل ثلاث فتيات على الأقل إلى المستشفى لإصابتهن بحروق بالغة في الوجه، وفقاً للتقارير التي أوردتها وسائل الإعلام. وأعلنت السلطات الأفغانية لاحقاً إلقاءها القبض على 10 من المسلحين التابعين لطالبان على صلة بالحادث. وتحدثت إحدى الفتيات بشجاعة إلى المراسلين أثناء تلقيها العلاج بالمستشفى، بينما غطى إحدى عينيها التي دمرتها المادة الحارقة مرهمٌ أصفرُ اللون، قائلة: «سأذهب إلى مدرستي حتى لو قتلوني. رسالتي للأعداء أنهم إذا فعلوا ذلك 100 مرة، سأمضي قدماً في دراستي». ويجب أن يقف العالم بأسره خلف هذه الفتاة. إن الشعب الأفغاني، حال تمتعه بالدعم المناسب، بمقدوره إنتاج جيل من المتعلمين ـ فتية وفتيات ـ قادرين على النهوض ببلادهم من جديد. لقد تحمل الأفغان الكثير خلال الحقبة المظلمة التي سيطرت خلالها طالبان على الحكم، تحديداً بين عامي 1996 و2001. وعمل الأفغان الباسلون جنباً إلى جنب مع المنظمات الإنسانية، مثل «كير»، من أجل تعليم الفتيات الصغيرات داخل منازلهن والمراكز الاجتماعية والمساجد.

والآن، باتت القوى الساعية لحرمان الفتيات من حق التعليم تشكل من جديد اختباراً لمدى عزم البلاد. وأصبح الخطر يتهدد الزخم الذي بناه الأفراد العاملون بجد من أجل الخروج من هوة الفقر. وتشير الإحصاءات إلى أن الفتيات يشكلن ثلثي الأطفال المحرومين من التعليم بمختلف أنحاء العالم. في الوقت ذاته، فإن كل عام في المدرسة بمقدوره تعزيز الدخل الذي تحققه الفتاة في المستقبل، وكذلك دخل أسرتها، بما يتراوح بين 10% و20%. كما أن تعليم الفتيات يعد مسألة حياة أو موت، حيث توضح الأرقام أن أطفال النساء المتعلمات أكثر احتمالاً بنسبة 40% أن يعيشوا طويلاً. وبالنسبة للفتيات الأفغانيات، فمن الواضح أن لديهن رغبة قوية في التعلم، حيث يسير بعضهن لساعات للوصول إلى المدرسة ويجلسن خارج مدارس تعمل كبديل مؤقت، بينما تمتلئ رؤوسهن بأحلام أن يصبحن في يوم من الأيام طبيبات ومهندسات. وعندما قامت منظمة «كير» بفتح 10 مراكز تعليمية في باروان وكابيسا، التحقت بها حوالي 2000 فتاة. كما شعر المدرسون بحماس كبير إزاء فرصة تلقي تدريب جديد. وأنصت الآباء والأمهات باهتمام للمعلومات المتعلقة بأهمية تعليم بناتهن وأبنائهم. وبطبيعة الحال، سيختار البعض محاربة هذا النمط من التغيير. في الواقع، أثناء وجودي في أفغانستان، تعرضت مدرسة قريبة للحرق والتدمير. إلا أنه يتعين علينا نحن أيضاً القتال دفاعاً عن حقوق هؤلاء الفتيات في استغلال كافة إمكاناتهن والإسهام في المجتمع. ويعني ذلك العملَ مع الرجال والنساء لضمان أن بناتهن يتمتعن ببيئة آمنة تسمح بتلقيهن التعليم.

ويعني ذلك أيضاً تعليم المزيد من الفتيات القراءة والكتابة، والتعامل مع المواد الكاوية، ليس كأداة للعنف، وإنما لأغراض علمية.

وأثناء لقاءي مع تلميذات أفغانيات في السنة السابعة من التعليم منذ عامين، دهشت من أن الكثيرات منهن أشرن إلى الأحياء والفيزياء والكيمياء باعتبارها مواد مفضلة لديهن. ولا شك أن هؤلاء الفتيات سيواجهن عقبات هائلة في سعيهن وراء تحقيق أحلامهن. ومع ذلك، شعرت يومها أني ألتقي علماء الغد، وساد اللقاء الكثير من الأمل انعكس على وجوههن.

*خدمة «واشنطن بوست» ـ

خاص بـ«الشرق الأوسط»

مروى صبري