يعتبر الذهب من المعادن الثقيلة وزناً (وثمناً)، وليس هناك معدن على وجه الأرض لوح عقل الإنسان و(مرمط) ضميره، أكثر من هذا الأصفر الرنان، فهو وحده الذي أشعل الحروب وحقق المجازر عن جدارة، وهو وحده الذي جعل من المرأة الحسناء ذلولا طيعة لأفسد وأقبح مخلوقات الله، لمجرد أنه يملك من ذلك المعدن القناطير المقنطرة.
إن تاريخ البشرية مكتوب بماء الذهب على صفحة ملوثة بالدم والرماد والدموع.
وفي الرحلة الشهيرة لابن بطوطة، حضر مجلساً لأحد سلاطين الهند، وأورد موقفاً يريد أن يدلل فيه على حكمة وعدل ذلك السلطان، ففي مجلسه الكبير الذي يزيد طوله على خمسين ذراعاً، كان (يتسلى) ويجري اختباراً على أناس من العامة يلتقطونهم من الأزقة كيفما اتفق، ويأتون بالواحد منهم إلى المجلس الذي وضعت بوسطه (كومة هائلة) من الذهب، ويقول السلطان لذلك الرجل البائس الفقير: خذ من هذا الذهب بقدر ما تستطيع حمله، وإذا قدرت أن تحمله وتخرج به من الباب فهو لك، ولكن إذا تعثرت ولم تستطع سوف نعاقبك، ويفرد الرجل رداءه وهو غير مصدق ويملؤه ثم يملؤه، وكلما توقف أخذته الحسرة فزاد على ملئه قليلا، وعندما نهض بحمله الثقيل لم يستطع أن يخطو عدة خطوات حتى سقط هو وحمله، عندها يصيح السلطان بالسيّاف ويأمره بقطع رأسه في الحال، وفي ذلك المجلس شاهد ابن بطوطة ثلاثة رؤوس تطير خلال أقل من ساعة واحدة، وسط ضحكات السلطان وتهليل وتكبير الحضور، والدعاء للسلطان على عدله، والدعاء على المقتولين بنار جهنم لطمعهم وجشعهم، ولولا أن الحاجب قال للسلطان إن طعام الغداء جاهز يا مولاي لكان طلب رجلا رابعا يتسلى عليه ويفتح شهيته قبل الأكل.
ولا شك أنني لو كنت من ضمن هؤلاء الرجال لكنت أول المقتولين؛ فحلمي وأمنية حياتي أن أملك مغطس حمام (بانيو) من الذهب الخالص، مثل ذلك المغطس الذي يملكه أحد الفنادق في اليابان، ويعتبر أثقل آنية ذهبية في العالم، ويبلغ وزنه (242.2) كيلوغرام، وقد صنع على شكل طائر الفينيق، ويسمح الفندق للنزلاء بالاستحمام فيه مقابل (2000) ين عن كل دقيقة، ويقال إن هذه المغامرة المثيرة يحيط بها اعتقاد قديم بأن الاستحمام في آنية من ذهب يطيل الحياة، وبما أنني أنشد ذلك فحلمي أن أمتلك مثل ذلك المغطس وأصنعه على شكل (ناقة)، وأغطس فيه وحدي كلما أصبحت وأمسيت، وساعتها أقسم لكم أنني لن أحسد كسرى في إيوانه، ولا قيصر في عرشه.
والذهب معدن لدن حتى أن (أونصة) واحدة منه يمكن تطريقها لتصبح رقاقة مساحتها 16 متراً مربعاً، كما أنه قابل للسحب بحيث يمكن صنع خيط رفيع من (طن) واحد منه يمتد من الأرض إلى الشمس ذهاباً وإياباً.
وعلى كثرة الذهب المتجمع خلال 60 قرناً، فإنه لا يزيد على أن يكون مكعباً طول ضلعه (15.5) متر، ويصل وزنه إلى نحو (87) ألف طن، وتملك الحكومات في العالم (38) ألف طن، وهناك 24 في المائة منه يملكها أفراد لأغراض تجارية، ويستهلك طب الأسنان (25) طناً من الذهب كل عام.
وأعجبني تصرف طبيب أسنان عجوز، انفصل عن زوجته بعد حياة زوجية طويلة، وآلمها أحد أضراسها يوماً فذهبت إلى عيادة زوجها السابق، فأجلسها على الكرسي ونخر ضرسها ونظفه، ثم أتى بدبلة زواجه الذهبية التي ما زال محتفظاً بها، وصهرها ثم حشاها في ضرسها، وعندما عرفت أخذت تضحك حتى فاضت دموعها.